حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

مزدوجة الحرب والسياسات العامة في سورية: حينما تكون تكاليف المعيشة أقلّ لكن القدرة الشرائيّة أخفض!

كثرت الإشارات مؤخراً والتصريحات بأن أسعار السلع والخدمات في سورية، رغم ارتفاعها في الوقت الراهن –منذ بدء تطبيق الإجراءات الحكومية الاحترازية للتصدي لفيروس كورونا المستجد– لا تزال أقلّ من مثيلاتها في دول الجوار، وهذا أحد أسباب نشاط التهريب المعاكس في الآونة الأخيرة –وإن لم يتوقف طيلة سنوات الحرب– تحديداً للبيض وبعض أصناف الخضراوات إلى بعض دول الجوار.

حقيقةً، لا يمكن نفي انخفاض مستوى الأسعار في سورية، مقارنة بدول الجوار وغيرها من دول العالم، لكن، ما لا يتم الحديث عنه هو الراتب الشهري للموظف في سورية، والذي أصبح من أقل المستويات في العالم، ما يجعل الأسعار باهظة جداً قياساً إلى الدخل، حتى أصبح الكثير من المواد الأساسية من الكماليات، أو تم إلغاؤها، بسبب التدني الكبير للقدرة الشرائية، إذ إنَّ الأسعار طوال شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل ارتفعت بأكثر من 50%، وبعض الأصناف ارتفعت بأكثر من 100%.

خلصت الدراسةُ إلى أنَّ أسعار السلع المنتجة محلياً، والمستوردة لغايات الدعم في سورية، تُعَدُّ من الأرخص عالمياً، تحديداً بين دول الجوار السوريِّ، وكذلك الأمر بالنسبة لمستوى رواتب وأجور الموظفين في سورية، فهي من الأضعف أيضاً، والأكثر انخفاضاً بين دول الجوار، وهذا يرتّب مشاكل اقتصادية واجتماعية أخرى للمواطن السوريّ.

تبيّن مقارنة أسعار 15 مادة وخدمة، في 20 دولة، مقوّمةً بالدولار الأمريكي، أنّ سورية تتصدر قائمة الدول، بأرخص الأسعار لـ 13 سلعة وخدمة، وهي (البيض، الحليب، الأرز، الجبنة، الخبز، فيليه الدجاج، التفاح، البرتقال، البندورة، البطاطا، المياه المعبأة، البنزين، وأجرة الشقق السكنية خارج مراكز المدن)، ما عدا لحم العجل والموز، حيث تتصدر الهند قائمة الدول بأرخص سعر لكيلو لحم العجل، لتأتي سورية بالمرتبة 17 من أصل 20، وتتصدّر لبنان قائمة الدول الأرخص بسعر كيلو الموز، لتأتي سورية بالمرتبة 15.

تزيد أسعار السلع في دول الجوار السوريّ المدروسة (لبنان، العراق، الأردن)، مقارنة بما هي عليه في سورية، بنسب متباينة، أقلها 12.33% للموز في العراق، وأعلاها 807.1% للبرتقال في الأردن، باستثناء الخبز المدعوم في سورية، في المقابل، تزيد الرواتب في تلك الدول، مقارنة بسورية، بنسب تتراوح بين 1096.29% عند مقارنة الحدّ الأدنى للموظفين في سورية، بوسطي صافي الراتب في لبنان، و1630.38% عند مقارنة الحدّ الأدنى لراتب الموظف في سورية، مع وسطي صافي الراتب في الأردن.

تتمثل النتيجة الرئيسة بأن انخفاض الرواتب في سورية غير قادر على تغطية تكاليف المعيشة المنخفضة، جراء انخفاض أسعار السلع والخدمات، مقارنةً ببقية الدول المدروسة، نظراً لوجود فجوات كبير لا تزال قائمة بين الرواتب وتكاليف المعيشة، إذ إنَّ معدلات انخفاض الرواتب أعلى بكثير من معدلات انخفاض الأسعار، وهذه الفجوات هي مؤشر فقر.

يُظهر الواقعُ الراهن فجوات الفقر الكبيرة الناجمة عن الفرق الكبير بين تكاليف المعيشة المنخفضة ومستوى الرواتب المتدنية جداً قياساً إلى التكاليف، إضافةً إلى ضعف استجابة السياسات العامة لإحداث أي فرق ذي تأثيرٍ إيجابي لمصلحة المواطنين بتقليص مستويات الفقر، فلا استراتيجيات ولا تكتيكات واضحة لتخفيض الأسعار للسلع والخدمات كافةً التي تحتاجها الأسرة في المعيشة، إذ إن العمل باتجاه كسر حلقات الوساطة نجح في تخفيض أسعار الخضر والفواكه، مع دور مساعد، هو الموسم لبعض المنتجات الزراعية، إلا أن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأخرى ابتلع الانخفاضات في أسعار الخضر والفواكه، وأكثر، ما يعني أن تلك السياسات بلا فائدة تذكر على المستويات العامة للأسعار وتكاليف المعيشة.

في المحصلة، تمتاز سورية بانخفاض تكاليف المعيشة فيها بشكل كبير، مقارنة مع دول العينة بعامّة، ومع الجوار السوري بخاصّة، ولكن، انخفاض القدرة الشرائية للرواتب يجعلنا الأشد فقراً، لضعف الراتب الحقيقي، أي حجم السِّلع التي يمكن شراؤها بالراتب من السوق، لذا، من الخطأ مقارنة أسعار السِّلع في سورية مع دول الجوار، من دون النظر إلى معيار الدخل، لأن العبرة في القوة الشرائية للدخل.

مركز مداد للدراسات

اضافة تعليق