حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

الصراع اليوناني التركي.. بين الماضي والحاضر

يميل غالبية الناس إلى التفكير بمفهوم التاريخ كما لو كان شيئًا من الماضي فقط ، وكأن ليس له تداعيات على المستقبل ، وهذا التفكير يقنعهم بأن الحروب العالمية والحروب الأوروبية بشكل عام قد انتهت ، ولكن الآن إذا لم تهدأ الأمور بين اليونان وتركيا فسوف تندلع حرب أوروبية – متوسطية ، ولن تكون مثل هذه الحرب أوروبية فحسب ، بل ستكون حربًا أوروبية آسيوية ، وقد تكون عالمية .

فمع وجود طموحات عثمانية جديدة لدى الأتراك ، يعمل نظام أردوغان على توسيع حدود تركيا الوطنية بما يعتقد أنه سيعيد إحياء الإمبراطورية العثمانية من العراق وسورية وليبيا إلى أوروبا ، ولهذا حاول إما كسب الأراضي بالقوة، أو الحصول على مقعد على الطاولة الدولية من خلال العمل العسكري، تركيا اليوم تهدد اليونان ، ونتيجة لذلك فهي تهدد أوروبا ، وقد تؤدي تصرفاتها إلى مواجهة عالمية إذا لم تسد العقول الهادئة.

لطالما كانت العلاقات اليونانية /والتركية متوترة في أغلب الأحيان منذ أيام العثمانيين ، ويحاول الأتراك تذكير الجميع بأنه منذ أواخر القرن الخامس عشر إلى أوائل القرن التاسع عشر ، كانت معظم اليونان وجزر بحر إيجة تنتمي إلى الإمبراطورية العثمانية .

بعد أزمة قبرص عام 1974 "الاجتياح التركي لشمال قبرص" وسنوات الحكومات الاشتراكية ، كانت اليونان معادية لأمريكا بشدة على الرغم من التقاليد الغربية المشتركة ، في المقابل كانت تركيا تفتخر بعاداتها العلمانية الموالية لأمريكا ، أما الآن فقد انقلبت العلاقات الجيوستراتيجية ، فالدولتان عضوان في الناتو ، لكن اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي فيما فشلت كل محاولات أردوغان بالانضمام إليه .

إن تركيا هي التي تتصرف بشكل استفزازي على المسرح العالمي وليس اليونان ، فقد أعادت مؤخرًا تشكيل كاتدرائية آيا صوفيا الشهيرة التي بناها الإمبراطور البيزنطي جوستنيان في القرن السادس وهي واحدة من أكثر الكنائس شهرة في العالم المسيحي وتحويلها إلى مسجد ، حيث أثار ذلك غضب اليونانيين ، وأشعل توترات دينية عمرها قرون .

بالنسبة للتوترات الجديدة بين اليونان وتركيا هي حول الطاقة والحقوق الإقليمية ، ومع ذلك فإن هذه التوترات لها جذور أخرى ، فلدى كل من تركيا واليونان مناطق متداخلة في شرق المتوسط غنية بالغاز ، وتدافع اليونان عن حقوقها وتقول بأن لها الحق بالحفر في كل جزيرة من جزرها التي يبلغ عددها آلاف الجزر لأنها ضمن جرفها القاري ، لكن تركيا تجادل بأن مزاعم اليونان هي تفسير غير واقعي للقانون الدولي وتتعدى على المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا .

وصل هذا الخلاف إلى ذروته عندما بدأت تركيا اختبارات الزلازل في البحر الأبيض المتوسط في مناطق تدعي اليونان أنها مياه إقليمية ، غضبت اليونان وأرسلت قواتها المسلحة إلى المنطقة ، لكن تركيا استمرت في الاختبارات ، في 14 آب تورطت السفن الحربية اليونانية والتركية في " تصادم طفيف" بسبب المواجهة التي وصفتها اليونان بأنها حادث ، لكن تركيا وصفتها بأنها "استفزاز" ، كما هو متوقع يواصل الطرفان التحذير من أنهما لا يخافان من حرب مباشرة ، فالاتحاد الأوروبي يدعم اليونان وقد ذهب إلى حد معاقبة تركيا بسبب المسوحات الزلزالية قبالة الساحل القبرصي الشمالي ، محذرًا تركيا من أي استفزازات أخرى .

هناك أيضًا العديد من العوامل الأخرى التي تساهم في الاحتكاك اليوناني التركي ، أولاً هناك مسألة العدد الهائل من المهاجرين الذين احتجزتهم تركيا واستخدمتهم كورقة مساومة مع أوروبا ، وكانت تختار عن قصد أنواعاً معينة من المهاجرين (أولئك الذين ينتمون إلى مجموعة أصولية أكثر) لإرسالهم إلى الخارج ، بالمقابل كانت اليونان بالطبع واحدة من أكثر المتضررين عندما "فتح أردوغان البوابات"، وعلى الرغم من العدوان التركي الواضح في البحر الأبيض المتوسط فإنه يحظى بدعم من الحزبين الرئيسيين في تركيا ، كما يؤثر هذا الاحتكاك بين اليونان وتركيا على العديد من البلدان ، على سبيل المثال ، يتعرض الاتحاد الأوروبي ككل لخطر الانجرار إلى مواجهة ليس فقط بين عضو في الاتحاد الأوروبي ودولة آسيوية قوية ، وإنما بين عضوين في الناتو، وهذا يعرض الاتحاد الأوروبي نفسه لخطر الانقسام والمواجهة بين الدول الأعضاء في تحالف تتمحور مصالح قسم منه مع تركيا والآخر مع اليونان أو أي دولة أخرى متأثرة، ومن هنا نرى أن الاتحاد الأوروبي لم يكن موحدًا في رؤيته للصراع ، فقد حاولت ألمانيا أن تبدو محايدة ، بسبب علاقاتها الطويلة مع تركيا، هناك عدد هائل من المهاجرين الأتراك في ألمانيا يشكلون جالية كبيرة.

تحاول ألمانيا الآن القيام بدور الوسيط بين الطرفين من خلال تقديم "اتحاد جمركي معزز" لتركيا مع الاتحاد الأوروبي، ويبدو أن إسبانيا وإيطاليا تحذو حذو ألمانيا في هذا الاتجاه أيضًا ، ولكن الأزمة تفاقمت في الأشهر الأخيرة مع قيام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقيادة المعارضين للسياسة الخارجية العسكرية المتزايدة لتركيا داخل الاتحاد الأوروبي ، ويقول ماكرون إنه لم يعد من الممكن اعتبار تركيا شريكًا في البحر المتوسط ، وقد عرض دعماً عسكرياً فرنسياً لرئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس ، بما في ذلك احتمال بيع 18 طائرة رافال .

 

وكانت القضية على جدول أعمال اجتماع مجموعة Med7 لزعماء جنوب البحر الأبيض المتوسط في جزيرة كورسيكا الفرنسية ومرة أخرى في اجتماع مجلس الاتحاد الأوروبي الذي عقد في 23 أيلول وناقش فرض عقوبات صارمة على القطاع المصرفي التركي المتعثر بالفعل بسبب الطلب على الوصول إلى مساحات شاسعة من شرق البحر الأبيض المتوسط.

لقد سعت تركيا منذ فترة طويلة إلى إنشاء اتحاد جمركي أوسع مع الاتحاد الأوروبي ، وعلى الرغم من أن اليونان قد ترى أي عرض من هذا القبيل مكافأة لتركيا على التنمر ، تعتقد ألمانيا أن كلاً من العصا والجزرة ضروريان لإقناع تركيا بتغيير استراتيجيتها .

إن حجم الاحتياطيات الموجودة في المتوسط التي تحاول تركيا المطالبة بها دفع كل من "إسرائيل" ، ومصر ، واليونان ، وقبرص ، وإيطاليا ، والأردن ، وفلسطين لتشكيل منتدى غاز شرق المتوسط لوضع خطة لاستخراج وتصدير الغاز من نفس المنطقة ، كما تريد فرنسا الانضمام إلى هذا المنتدى ، الإمارات من الداعمين لها أيضًا ، لقد أنشأ هذا المنتدى بشكل فعال تحالفاً مناهضاً لتركيا (على الرغم من أن موقف إيطاليا أقل وضوحاً) فيما يتعلق بهذا الصراع .

في البداية اعتقد الكثيرون أن التدخل التركي في الحرب الأهلية الليبية (في أعقاب الحرب المأساوية لأمريكا وحلف شمال الأطلسي هناك) كان مجرد تصرف أحمق من أردوغان ، لكن في الحقيقة كانت لدى أردوغان أفكار أخرى ، أبرزها معاهدة بحرية مع حكومة السراج في طرابلس ، كوفئ بها لدعمه هذه الحكومة في الصراع الذي انخرطت فيه تركيا عسكرياً ، في المقابل تدعم روسيا والإمارات ومصر وفرنسا الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر .

تمنح المعاهدة البحرية الجديدة التي أبرمتها حكومة السراج مع تركيا حقوق الحفر لتركيا وتتجاهل أساساً وجود جزيرة كريت ، بما يتعارض مع جميع حقوق التنقيب اليونانية والقبرصية المفهومة سابقاً ، في المقابل وقعت مصر واليونان اتفاقية بحرية مماثلة وصفتها تركيا بأنها لاغية وباطلة .

وفي النهاية لا توجد طريقة للتنبؤ ما إذا كان الخلاف اليوناني التركي سيصبح صداماً عسكرياً أو حتى حرباً ، أو يؤدي إلى حرب عالمية ، لكن الألغاز كثيرة ويتم تجميعها ببطء كما كانت منذ أكثر من مائة عام وكل الاحتمالات قائمة .

بقلم براندون توربفيل

Global Research

اضافة تعليق