حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

في تعريف “التطرف”.. الولايات المتحدة الأمريكية أعظم المتطرفين!

“المتطرفون” هم أحد أشهر “الغيلان” الذين يلجأ إليهم الساسة الأمريكيون لإلباس سلطتهم لباس القداسة، لكن تعريف “التطرف” ظل في تغير مستمر، والعنصر الوحيد الذي تشترك فيه تعريفات التطرّف جميعاً هو فوز الساسة على الدوام.

 

في سبعينيات القرن الثامن عشر، عدّ متطرفاً كل من أشار إلى أن لا حق لملك انكلترا في حكم أمريكا، وأشارت وثيقة تعليمية صدرت عن البنتاغون في عام 2013 إلى أن “ساكني المستعمرات الذين سعوا لتحرير أنفسهم من الحكم البريطاني” كانوا مثالاً على “الحركات المتطرفة”.

 

وفي خمسينيات القرن التاسع عشر، عدّ الجنوبيون الذين اقترحوا تحرير العبيد متطرفين خطرين، وجرى إسكاتهم بالقوة، وعدّ الشماليون متطرفين حين اقترحوا وجوب احتلال الجنوب عسكرياً وإحالته خراباً، على الأقل حتى منح جون براون مرتبة القديس.

 

وفي عشرينيات القرن الماضي، عدّ متطرفاً كل من اقترح أن يمنح الرئيس الأمريكي سلطة مصادرة أموال المواطنين.

 

وبعد عام 1934، كان الأشخاص الذين استنكروا المصادرة الفيدرالية لأموال الأمريكيين يعدّون متطرفين في أحيان كثيرة.

 

وفي حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لجأ الرؤساء الأمريكيون بصورة متكررة إلى محاربة “التطرف” لإلباس عمليات قتلهم أو تشويه سمعة منتقديهم رداء الطهارة.

 

وفي عام 1952، عندما انتقد الجمهوريون الحرب الكورية ووصفوها بأنها غير مجدية، أدان الرئيس الأمريكي هاري ترومان “المتطرفين الجمهوريين المتهورين وغير المسؤولين”، و”نسخة التاريخ المحرفة التي يحمي حقوق نشرها المتطرفون في الحزب الجمهوري”، لكن الأكاذيب والفظائع التي تغلغلت في الحملة العسكرية الأمريكية في كوريا افتضحت على نطاق واسع بما يكفي لتدمير رئاسة ترومان.

 

وفي عام 1964، أعلن ليندون جونسون أن “التطرف في السعي إلى الرئاسة ذنب لا يغتفر، والاعتدال في إدارة شؤون الأمة هو الفضيلة الأسمى”، صوّرت وسائل الإعلام جونسون كخيار معتدل على الرغم من أنه كان يقصف فيتنام الشمالية بضراوة، وكان يستعد لتصعيد عسكري هائل للصراع، مع أنه وعد ناخبيه بغير ذلك.

 

وفي عام 1965، بعد أن أرسل جونسون البحرية الأمريكية إلى جمهورية الدومينيكان لدعم المجلس العسكري الذي استولى على السلطة، أعلن أن “الشعب الدومينيكاني لا يريد حكومة من المتطرفين من اليسار أو اليمين”، وكلما شجب المتطرفين، وردد تحذيرات زائفة عن استيلاء الشيوعيين على السلطة، أصبح آلاف الدومينيكان الذين قتلوا في ساحات القتال اللاحق تضحيات على مذبح الاعتدال الذي يتغنى به.

 

وقال جونسون في خطاب ألقاه في مركز الشرق والغرب في هونولولو في عام 1966: “لاتزال تتردد في آسيا أصوات التطرف ودعاة الاقتتال”، في العام السابق، دعمت وزارة خارجيته سراً حملة قمع وحشية نفذها الجيش الأندونيسي ضد الشيوعيين المشتبه بهم (أو الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من الشيوعيين المشتبه بهم)، فقُتل إثر ذلك نصف مليون أندونيسي بمباركة من جونسون في مذبحة وصفتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بأنها “إحدى أسوأ جرائم القتل الجماعي في القرن العشرين”.

 

كلينتون وبوش

 

استخدم بيل كلينتون التطرف بشكل متكرر لتشويه صورة المعارضة السياسية، ففي عام 1999، قال لجمعية القيادة الديمقراطية: “مازلنا نواجه مستوى من التطرف والتحزب [من جانب الجمهوريين] تقشعر له الأبدان حقاً وبصورة تؤذي مصالح أمريكا على المدى البعيد”، ولكن لم يكن الجمهوريون هم الذين زاولوا الكذب المستمر لمدة ست سنوات لتوسيع السلطة الفيدرالية وتقديسها، وأعلن كلينتون عشية انتخابات عام 2000: “على أحدهم أن يفعل ما فعلته على مدار السنوات الست الماضية، وهو وقف التطرف في العاصمة واشنطن، وليس أمامكم سوى خيار واحد: آل غور”، خسر آل غور جزئياً لأن ناخبين كثراً كانوا يخشون أن يسبب مزيداً من التطرف في واشنطن.

 

وقبل أحداث أيلول عام 2001، كان أي شخص يقترح أن تقود حكومة الولايات المتحدة حملة صليبية “لتخليص العالم من الشر”، سيُصنف أنه متطرف ووحشي، ولكن عندما تعهد جورج دبليو بوش بذلك بعد ثلاثة أيام تماماً من 11 أيلول، هللت له وسائل الإعلام وارتفعت معدلات تأييده.

 

وبعد أن أجرت الحكومة الأفغانية، التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، انتخابات مليئة بالاحتيال في عام 2004، أعلن بوش أن “نجاح الانتخابات الأفغانية يمثّل تأنيباً دائماً للسخرية والتطرف، وشهادة على قوة الحرية والأمل”، ولكن سرعان ما انزلقت أفغانستان في دوامة الانحدار، ما دفع الحكومة الأمريكية إلى تزوير مزيد من الانتخابات الأفغانية اللاحقة.

 

وفي العام نفسه، كسا بوش حربه على الإرهاب بلباس التقوى والقداسة، إذ قال: “هذا الصراع بين التطرف السياسي والقيم الحضارية يتكشف في أماكن كثيرة”، وأي أساليب “حضارية” استخدمتها إدارة بوش- أشهرها التعذيب- وهي من عدّت كل المعارضين متطرفين.

 

كان المتطرفون إحدى الحجج الواهية التي تذرع بها بوش، إذ قال ذات مرة لمجموعة من الصحفيين: “لقد أخطأنا بتسميتها الحرب على الإرهاب، كان الأجدر أن نسميها مكافحة المتطرفين الأيديولوجيين الذين لا يؤمنون بالمجتمعات الحرة، وصادف أنهم يستخدمون الإرهاب كسلاح لمحاولة زعزعة ضمير العالم الحر”.

 

وفي خطابه عن حالة الاتحاد عام 2005 أمام الكونغرس، تباهى بوش بالانتخابات العراقية الأخيرة بقوله: “بات العالم كله يعرف الآن أن مجموعة صغيرة من المتطرفين لن تتغلب على إرادة الشعب العراقي”، تجولت القوات الأمريكية في أرجاء المكان لبث رسالة “اخرج وصوّت”، في الوقت نفسه الذي داهمت فيه منازل الناس، وبعد أن وزع الجنود الآلاف من أوراق الاقتراع، أدان كبير مسؤولي الانتخابات في الأمم المتحدة التدخل العسكري الأمريكي.

 

أوباما

 

في خطابه الأول أمام الكونغرس في عام 2009، قال باراك أوباما: “لكي نقهر التطرف، يجب أن نكون متيقظين أيضاً في دعم القيم التي تدافع عنها قواتنا، لأنه لا توجد قوة في العالم أقوى من أمريكا”، استند أوباما إلى التطرف لتبرير أية جريمة استيلاء على السلطة ارتكبها، وكجزء من “حربها على التطرف العنيف”، زعمت إدارة أوباما أن لها الحق في قتل الأمريكيين دون محاكمة، ودون سابق إنذار، ودون أن يمنحوا أية فرصة للاعتراض بشكل قانوني.

 

وفي خطاب ألقاه في كانون الأول عام 2009 في ويست بوينت، أعلن أوباما أنه سيرسل المزيد من الجنود الأمريكيين إلى أفغانستان كجزء من “مكافحة التطرف العنيف”، والذي قال إنه سيكون “اختباراً دائماً لمجتمعنا الحر”، وقتل في وقت لاحق أكثر من ألف أمريكي في أفغانستان في تصعيد لم يؤد سوى إلى إطالة أمد الحرب، وسعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى تحذير أوباما من أن “اندفاعه” هذا سيبوء بالفشل، لكن ازدحام القبور قليلاً في مقبرة أرلينغتون كان ثمناً زهيداً يدفعه أوباما مقابل تلميع صورته كرجل “شديد البأس”.

 

وفي عام 2011، سوّغ أوباما قصف ليبيا بقوله إنه لا يريدها أن تصبح “ملاذاً آمنا جديداً للمتطرفين”، متناسياً أنه ما كان للمتطرفين أن يسيطروا على جزء كبير من البلاد لولا مساعدة الولايات المتحدة في الإطاحة بالرئيس الليبي معمر القذافي، وأدى العنف الناجم عن “حملة أوباما على التطرف” إلى إزهاق أرواح آلاف الضحايا، وبدأت أسواق النخاسة في العمل علانية في ليبيا.

 

وفي عام 2014، سوّغ أوباما التدخل العسكري الأمريكي في سورية بقوله: “ما نقاتله أيضاً هو سلالة أيديولوجية من التطرف تجذرت في أجزاء كثيرة جداً من المنطقة”، شنت إدارة أوباما أكثر من 5000 غارة جوية على أهداف سورية، لكن تظاهرها بالفضيلة كان الجانب الثابت الوحيد لسياساتها، وهي التي قدمت الأسلحة والأموال للجماعات المتطرفة المرتبطة بالقاعدة، وللمتطرفين الآخرين كجزء من الحملة الأمريكية للإطاحة بالحكومة السورية، كانت السياسة الأمريكية في سورية مشوشة بشدة حتى إن الإرهابيين الذين يدعمهم البنتاغون قاتلوا علانية الإرهابيين الذين تدعمهم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

 

ترامب

 

زار دونالد ترامب السعودية في أيار عام 2017، وأعلن أن الولايات المتحدة والسعودية “يسعيان إلى الشروع في مبادرات جديدة لمواجهة رسائل التطرف العنيفة، وعرقلة تمويل الإرهاب، وتعزيز التعاون الدفاعي”، بالرغم من أن النظام السعودي هو أكبر ممول للإرهاب.

 

وبعد ثلاثة أشهر، أصدر البيت الأبيض بياناً بشأن المكالمة الهاتفية التي أجراها ترامب مع الملك سلمان، أكد فيها أنهما “ناقشا ضرورة دحر الإرهاب ووقف تمويله ومكافحة الفكر المتطرف”، لم يتطرق البيان الصحفي إلى حقيقة أن السعوديين كانوا دائماً من بين أكبر ممولي الإرهاب والحركات المتطرفة في العالم.

 

تعريف متغير

 

غالباً ما يتغير تعريف “التطرف” بحسب نزوات الحكومة الأمريكية، فقد أشار دليل تدريب للبنتاغون حول خطر جماعات الكراهية إلى أن: “كل الدول لديها أيديولوجية، شيء يؤمنون به، وعندما تخرج أيديولوجية سياسية عن أعراف المجتمع، فإنها تُعرف بالتطرف”، بمعنى آخر، كل المعتقدات التي تختلف عن الآراء السائدة أو المستحسنة هي “متطرفة” بحكم التعريف، ومن ذا الذي يحدد الأيديولوجية المقبولة؟ إنهم السياسيون أنفسهم، والهيئات الحكومية نفسها الذين تدعمهم الآراء السائدة.

 

إن “التطرف” أشد ضراوة من “الإرهاب” من حيث إن قوامه كقوام البخار، ففي حالة الإرهاب، يتآمر المجرمون لإيقاع ضرر ملموس، في حين أن المتطرف هو شخص يضمر الشر، وقد يفعل فعلاً شنيعاً في أي وقت في المستقبل، ويمكن أن توفر حملات قمع المتطرفين المفترضين الأداة المثالية لشيطنة المعارضة السياسية في الداخل والخارج.

 

يندد السياسيون الأمريكيون بالتطرف في الوقت نفسه الذي يتخلى فيه الإعلام الأمريكي عن فضح انتهاكات الحكومة، فكلما اتسعت لوثة الاتهام بالميول المتطرفة، أصبح من السهل على المسؤولين الحكوميين التستر على الفظائع التي يرتكبونها.

 

في أوائل عام 2004، قبل تسريب صور أبو غريب، عدّ الأشخاص الذين قالوا إن الحكومة الأمريكية تعذب المعتقلين متطرفين، وبعد عقد من الزمان، بعد أن وثّق تقرير لمجلس الشيوخ كيف أنشأت وكالة المخابرات المركزية نظام تعذيب عالمياً، عدّ متطرفاً كل من دعا بشدة إلى مقاضاة جلادي وكالة المخابرات المركزية، وعلى نحو مماثل، عدّ متطرفاً كل من قال إن الحكومة الأمريكية انتهكت خصوصية الأمريكيين بشكل غير قانوني بعد 11 أيلول، وبعد أن سرب ادوارد سنودن في عام 2013 وثائق تثبت أن إدارة الأمن القومي اختلست النظر بشكل غير قانوني على رسائل البريد الالكتروني لملايين الأمريكيين، كان “المتطرفون”- بحسب تعريف البنتاغون- وحدهم من دعا إلى محاكمة قادة وكالة الأمن القومي الذين كذبوا على الكونغرس والجمهور الأمريكي بشأن مراقبتهم غير المشروعة.

 

وافق الأمريكيون بشكل دائم على حيازة حكومتهم على سلطة غير محدودة تقريباً في “الحرب على التطرف”، لكن السماح للساسة بتعريف التطرف يعني السماح لهم بشكل استباقي بتشويه سمعة منتقديهم الأخطر عليهم، لحسن الحظ، لم يُمنع أحد قانونياً من الإشارة إلى أن الحكومة الأمريكية نفسها أصبحت أعظم المتطرفين جميعاً.

صحيفة البعث

اضافة تعليق