حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

“الإخوان”.. ولادة من الخاصرة العثمانية

على الرغم من أن ولادة تنظيم “الإخوان المسلمين” على يد حسن البنا في العام 1927 كانت رداً على إعلان مصطفى كمال أتاتورك إنهاء ما كان يسمى “دولة الخلافة العثمانية” في العام 1924، إلا أن تلك العلاقة كانت رحمية تستمد جذورها من إرث عثماني كان متجذراً في المجتمع التركي، ولم يكن فعل التأسيس -وفق هذا المنظور- افتراقياً بقدر ما كان استباقياً يتحين الفرصة لعودة مرتقبة نحو تلك الجذور، ومن ثم إعادة تشكيل الساق ثم الأفرع، الأمر الذي يمكن لحظه بوضوح منذ وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى السلطة في أنقرة العام 2002، حيث سيبرز “المشروع الإخواني” في تركيا بوضوح معتداً بدعم أمريكي جاء كنتيجة لتحالف سري يبدو أنه تبلور مع وصول باراك أوباما إلى السلطة في واشنطن العام 2009، والراجح هو أن ذلك التحالف كان أحد القواعد التي ارتكز عليها الزلزال الذي ضرب المنطقة العربية بدءاً من تونس ربيع العام 2011 فصاعداً.

 

كان المشروع يظهر احتياجاً طبيعياً لأذرع وتمددات لبث الروح في جسد كانت قواه مبعثرة، الأمر الذي تطلب عملية إعادة تجميع تطلبت بدورها ضخ زخم إيديولوجي “خارق”، وكذا شعارات فضفاضة يمكن لها أن تلامس شغاف قلوب الشارع العربي الذي كان، ولا يزال، يحمل قضية فلسطين في وجدانه وذاته الجماعية، وفي هذا السياق كانت المواجهة المسرحية المشهورة ما بين رجب أردوغان وبين شمعون بيريز الحاصلة في مؤتمر دافوس كانون الثاني 2009، وكذا في السياق ذاته كانت حادثة سفينة مرمرة في بحر غزة أيار من العام 2010، ولا يجب أن يغيب عن الذاكرة أن الحادثتين كانتا قد وقعتا في مناخات العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة بجولاته الأربع 2008- 2009- 2012- 2014، حيث العدوان هنا، أحرج النظام التركي الذي وجد نفسه مضطراً لإطلاق مواقف عدائية إزاء “إسرائيل” تظهره بمظهر “المدافع” عن الفلسطينيين.

 

في علوم السياسة تقول القاعدة الأساسية التي تبنى عليها هذه الأخيرة، أن المواقف والسياسات التي تعتمدها دولة أو نظام ما ليست إلا انعكاساً لحقائق اقتصادية واجتماعية معينة، فيما عدا ذلك، أي إذا ما جاءت تلك المواقف بعيدة عن تلك الحقائق، فإن تلك المواقف والسياسات تصبح دعائية جوفاء، وجل ما ترمي إليه هو تجييش شارعها، أو التمددات الأخرى المؤثرة فيها، ووفق هذا المنظور أيضاً فإن المواقف والتصريحات النارية التي اتبعها نظام حزب “العدالة والتنمية” منذ وصوله إلى السلطة تجاه قضية فلسطين كلها يمكن إدراجها تحت راية هذا التصنيف الأخير، إذ تشير العلاقة التجارية ما بين “إسرائيل” وتركيا في عهد ذلك الحزب على أنها الأكثر تطوراً منذ اعتراف الأخيرة بالأولى مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، والأهم هو أن التوتر السياسي الذي يظهر في الإعلام، كان على الدوام مترافقاً بقفز بالزانة للتعامل التجاري بين البلدين، حتى أن صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية كانت قد نشرت تقريراً مطولاً عن هذا الأخير في تشرين الأول الماضي جاء فيه “إن التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل وصل إلى مستوى الـ6 مليارات دولار، وهو مستوى غير مسبوق”، وكخلاصة فإن الصراخ الدعائي في السياسة لا تكون له عادة آثاره الموجعة من النوع الذي تحققه قطع العلاقات التجارية أو تخفيضها الذي يعبر عندها عن مواقف متسقة مع ذلك الصراخ.

 

فيما يخص الأذرع التركية، التي نقصد بها هنا تنظيم “الإخوان المسلمين”، فإن مواقف الأخير من كيان الاحتلال الإسرائيلي لا تشير إلى افتراق إيديولوجي بين الاثنين، ففي خطبة ألقاها المؤسس حسن البنا أمام لفيف من مريديه العام 1940، ونقلها عضو الجماعة أحمد عيسى عاشور، أثنى البنا على ما سماه “العرق اليهودي”، وقال بالحرف: “اليهود وطنهم الأصلي هو فلسطين “، ورغم مرور ثمانين عاماً على تلك الخطبة لم يجرؤ أحد من قيادات التنظيم على انتقادها في مختلف فروعه العربية، والمؤكد هو أن “إسرائيل” كانت مدركة تماماً لتلك الحالة التي لا تسجل أي عداء في العمق، بل كانت أول من يمنح الأعذار لتصريحات تفرضها ضرورات الشارع، هذا يمكن لحظه بكثافة في أدبيات مراكز الأبحاث وفي مواقف العديد من صناع القرار الإسرائيلي، ففي نيسان 2017 كتب شلومو بن عامي وزير الخارجية الإسرائيلي السابق مقالاً في مجلة “بروجيكت ساينديكيت” نصح فيه الرئيس دونالد ترامب بعدم اتخاذ قرار يصنف تنظيم “الإخوان المسلمين” إرهابياً، وفي بداية الحرب على سورية نشر مركز “أورشليم للسياسة العامة” مقالاً لـ ايال زيسر آب 2011 قال فيه: إن “صعود الإخوان المسلمين للسلطة في سورية هو الأفضل لإسرائيل لأنه سيؤدي إلى استبدال دمشق القوية بدمشق الضعيفة”، ثم أضاف في مقاله عينه: إن “النظام الحالي في دمشق هو الخصم الرئيس لإسرائيل، والعقبة الرئيسية أمام صعود قوة إسرائيل كطرف مهيمن على الشرق الأوسط”.

 

كتكثيف لكل ما سبق لا يمكن القول بوجود افتراقات تركية- إخوانية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، هذا ما تقوله إيديولوجيا “الإخوان” التي تبدي “إسرائيل” تفهماً لها، وهذا ما تقوله وقائع التجارة بين الأولى والأخيرة، والصراخ هنا لزوم شد عصب الشارع الذي تعمل فيه تلك الثنائية.

عبد المنعم علي عيسى

اضافة تعليق