حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

صناعة الأزمات .. "الحرب الأخرى"

"الأزمة" مصطلح قديم تعود أصوله إلى الطب الإغريقي عرفت على أنها : نقطة تحول بمعنى أنها لحظة قرار حاسمة في حياة المريض .

و "الأزمة" بمفهومها البسيط تعني حدوث أمر أو موقف مفاجئ يتعارض مع الأحداث المتوقعة ، وهذا يتطلب من الفرد أو الجماعة أو المجتمع التدخل واتخاذ إجراءات من أجل إعادة التوازن ، تعددت الآراء والاتجاهات فيما يخص مصطلح الأزمة لاسيما بعد استخدامه وشيوعه في عدد من المجالات الاجتماعية والاقتصادية والطبيعية فهو مصطلح واسع الانتشار في كل المجالات ومرتبط بعدد من المفاهيم الأخرى .

و يشكل وفق قراءات أخرى "نقطة تحول في أوضاع غير مستقرة ، ويمكن أن تقود إلى نتائج غير مرغوبة إذا كانت الأطراف المعنية غير مستعدة أو قادرة على احتوائها ودرء أخطارها و هي تشكل صورة لحالة مغايرة عن الواقع السابق الذي كان يتصف بشيء من الاستقرار ما يشعر الجماهير والأفراد بالطمأنينة والأمان" .

البعد الاقتصادي للأزمة من الأبعاد الخطيرة لاسيما على المواطن الذي تنعكس عليه "الأزمة" وتبعاتها بشكل مباشر من حيث التدهور الكبير في المصارف والأسواق المالية وبالتالي فشل النظام المصرفي في أداء مهامه الرئيسية ما ينعكس في غلاء الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية والتضخم والكساد وانخفاض معدلات النمو وزيادة كبيرة في معدلات البطالة والفقر وانخفاض المستوى المعيشي وبالتالي هبوط في القوة الشرائية لعملة الدولة وانتشار التهريب .

عانت سورية منذ بداية الحرب في عام 2011 ، من صعوبة في تأمين المشتقات النفطية اللازمة سواء للتدفئة أم للسيارات والآليات أم لمحطات توليد الكهرباء ، وتمكنت الحكومة السورية من التعامل مع الأزمة وفق المعطيات المتوفرة بحيث بقي الحد الأدنى المطلوب متوفراً حينها بنسب متفاوتة ، هذا لم يمنع ذاكرة السوريين من تجاوز صور أزمة المحروقات في ذلك الوقت لاسيما البنزين و الذي كان من الأزمات التي علقت في ذهن المواطن السوري حيث شهدت سورية خلال المرحلة الماضية ومنذ بداية الحرب في العام 2011 مجموعة من الأزمات في مجال المحروقات ، واليوم نعيش أزمة جديدة ومشهد الازدحام على المحروقات أصبح مألوفاً في الشوارع السورية في كل مرة يتم فيها تضيق الخناق الاقتصادي على البلاد .

قبل أكثر من عام ، تحدثت وزارة الخزانة الأميركية في 20 من شهر تشرين الثاني عام 2019 عن إجراءات جديدة ، ضد مختلف القطاعات في سورية ومنها النفط وحتى الدول والأشخاص الموردين للمشتقات النفطية على سورية .

ما يعني خلق "أزمة" و يمكن وصفها - الأزمة - بالأصعب لتزامنها مع خروج عدد كبير من مصادر الطاقة عن العمل بسبب سيطرة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها "داعش" على مصادر الطاقة النفطية وسيطرتها على النفط والغاز وتهريبه ، ومن ثم سيطرة قوات ما سمي سورية الديمقراطية "قسد" تحت رعاية قوات الاحتلال الأمريكية والفرنسية .

كل ذلك فاقمته الاعتداءات الإرهابية على خطوط نقل الطاقة ومحطات التكرير لاسيما في حقول حيان والشاعر وإيبلا والريان والسخنة بريف حمص ، كذلك مصفاة حمص والاعتداء عليها بطائرات مسيرة ، بالإضافة لمحطة الريان ومعمل غاز المنطقة الوسطى في 21-11-2019 ، وخط النقل البحري في بانياس في 27-1-2020 .

معظم المدن السورية شهدت صوراً غير مسبوقة لمشاهد ازدحام السيارات التي تنتظر دورها في تعبئة خزانات الوقود ، و في محاولة من قبل الحكومة للتخفيف من الازدحامات والتوزيع العادل للكميات الموجودة من المحروقات ، تم تطبيق نظام البطاقة الذكية في توزيع المحروقات ، و أصبح كل فرد يأخذ كمية معينة من مادة البينزين بالسعر المدعوم من الحكومة وعند انتهاء الكمية يحق له الشراء ولكن بالسعر ( الحر) أي وفق السعر العالمي .

بلغ إنتاج سورية من النفط قبل اندلاع الحرب في العام 2011 نحو 400 ألف برميل يومياً ، في حين لم يتجاوز 14 ألف برميل خلال الحرب ، تعرض خلالها القطاع النفطي إلى خسائر كبيرة ، حيث شكلت الآبار و المؤسسات النفطية أحد أكبر الأهداف في الهجمات الإرهابية و كتلك التي تهدف إلى بسط السيطرة عليها و احتلالها .

هناكَ العديد من الخطوات التي يتمُّ من خلالها التعامل مع الأزمة بالشكلِ الجيد و منها القراءة العملية للأزمة و البدء السريع في مرحلة التحليل والتقدير المناسب للأسباب الحقيقية ، كون القراءة الصحيحة تُعطي حلولاً فاعلة والعكس صحيح .

عند عدم التعاطي الصحيح يتشكل انعدام الثقة بين المواطن و مؤسسات الدولة ، مثلا :

حالة التخبط أو عدم الشفافية في تعاطي وزارة النفط أزمة المحروقات قبل الحالية من خلال التصريح على "أنها كانت نتيجة العمرة في مصفاة بانياس و أن الازمة ستنتهي فور الانتهاء منها لكن ذلك لم يحدث ، ثم خرج بعدها تصريح آخر أن تأخر وصول توريدات المشتقات النفطية المتعاقد عليها إلى القطر بسبب العقوبات" .

 

و مؤخراً صرَّحت وزارة النفط أنه "مع ازدياد خطوات الحصار الأمريكي الجائر ضد سورية ، وبهدف الاستمرار في تأمين حاجات المواطنين وإدارة المخزون المتوفر وفق أفضل شكل ممكن ، فقد تم وبشكل مؤقت تخفيض كميات البنزين الموزعة على المحافظات بنسبة ١٧% ، وكميات المازوت بنسبة ٢٤% لحين وصول التوريدات الجديدة التي يتوقع أن تصل قريباً ، وبما يتيح معالجة هذا الأمر بشكل كامل" ..

 

هذا التصريح جاء بعد مجموعة من المبررات السابقة والتي اختلفت حول أن أحد أسباب أزمة البنزين هو وجود ثغرات في توزيع البنزين ولا يمكن ضبط التوزيع فيها .

أمام هذه العوامل لا أحد ينكر الحصار الاقتصادي على سورية وعلى الشعب الظالم ولاسيما ما عرف " قانون قيصر" ، بالإضافة إلى سرقة مقدرات سورية النفطية من قبل الاحتلال الأميركي والاحتلال التركي والميليشيات التابعة لهم ، لكن هذا لا يمنع أنه بات من الواجب العمل على خلق حلول تتناسب مع المرحلة الحالية كتلك "المرتجلة" في بعض المحافظات بعيداً عن قرارات الوزارة المعنية مثال :

" تنظيم الدخول من خلال الأرقام الفردية والزوجية ، كذلك تحديد محطات محددة للنساء والأطباء وسيارات الأجرة وغيرهم ، توزيع أرقام لضمان أن تتم عملية التعبئة وفق الكمية الموجودة" ..

هي حلول و أفكار قد تكون مؤثرة و يجب أن تعمم ، بالإضافة إلى ضرورة العمل على إيجاد أخرى تتناسب مع الوضع الحالي

صحيفة الثورة

اضافة تعليق