حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

إحياء الأنهار.. بقلم الرفيقة: كريستين كربوش

الماء هو نسغ الحياة ونبضها وخصب حياتها. نستقرئ من تاريخ نشوء المدن القديمة عبر العصور أن المدن والحضارات قامت على ضفاف الأنهار منابع المياه دمشق الفيحاء أقدم المدن المأهولة في العالم يجري فيها نهر الذهب أو نهر بارادوس الفردوس كما أسماه المؤرخون والإغريق أنه بردى نهر الحياة والخصب ،ارتبط هذا النهر بمدينة دمشق وكان له الأثر الكبير في حضارتها وازدهارها عبر العصور. تغنى به العديد من الشعراء قديماً مثل الجواهري ونزار قباني وسعيد عقل حتى بات رمزاً ثقافياً للعاصمة السورية.

 

لعل أقدم ما قيل في نهر بردى للشاعر جرير: "لا ورد للقوم إذا لم يعرفوا بردى"، ومطلع القصيدة الشهيرة لأحمد شوقي أمير الشعراء "سلام من صبا بردى أرق ...." وكذلك غنته فيروز الرحابنة حديثاً بأجمل ما صدحت به في ليالي معرض دمشق الدولي السنوي في أواخر كل صيف فعاش أبناء هذه المدينة المعطاءة على إيقاع نبضه الساحر.

 

ينبع النهر من بحيرة نبع بردى جنوب الزبداني وتدخل العاصمة عند خانق الربوة ليتفرع إلى ستة أفرع وهي: ( المزاوي – الديراني- القنوات –بانياس – العقرباني – الدعاني ) من المستوى الأعلى إلى المستوى الأدنى لتتباعد على شكل مروحة لتغطي جميع أنحاء دمشق وتتفرع منه قنوات وشبكات ري بنظام دقيق ومدروس بعناية فائقة منذ العصور القديم حيث تعود جذوره إلى القرن السابع قبل الميلاد، كانت تروي الأراضي في الغوطتين بأقنية ذات جريان دائم تارة أو مؤقت تارة أخرى.

 

وأخيراً يتجه النهر شرق وشمال شرق المدينة ليصب في سبخة العتيبة قاطعاً 71 كم من منبعه إلى مصبه، إذاً هو مصدر حيوي لسكان وادي وحوض دمشق لزرعها وخضرتها فهو ضرعها.

ويجدر بنا ذكر فيضه السنوي في آخر أيام الشتاء وفي الربيع حتى ذكر أهل الشام عن (زودة بردى كبيرة) عام 1970 عندما تساقطت الأمطار أيام 15/16/17 آذار عامها وفاض النهر وأغرق المرجة وساحة فيكتوريا .كما نذكر فيضانه أواخر خمسينيات القرن الماضي الذي اغلق طرقات العاصمة..

 

المشكلة

 

اليوم في وقتنا هذا تحول بردى إلى رمز مفقود جفت مياهه وتلوث ما بقي منها فأمسى في الحاضر حكايات عشق الأدباء والمستشرقين شاهداً يخفت صوته تدريجياً، حين زارت أم كلثوم دمشق يوما قالت: (الألم يعتصر قلبي لما أراه نهرا جافاً ماقتاً).

 

كتبت الأديبة المعاصرة ناديا خوست في مقالها الأخير: (سحر الأنهار التي عرفها جيلي لم تعد موجودة، من يتخيل اليوم أن تحت مرآب وزارة المواصلات مقابل البرلمان كان يجري نهراً يسبح فيه البط ؟ شفط منه الماء سنوات وصب فوقه مرآب).

 

الأسباب

 

إن للتغيير المناخي دور رئيسي في جفاف النهر وازدياد سكان العاصمة لكن الطبيعة بريئة من تلوث حتى بات في بعض الأحيان مصباً لمياه الصرف الصحي ومخلفات المنشآت الصناعية والمطاعم. بدأ يفقد وملامحه وتم تبليط مجراه في منطقة معرض دمشق الدولي مما ساهم في الحد من تدفقه، وهو يحتاج إلى دعم بمجار خاصةً تنجيه من الصرف الصحي فالطبيعة تقوم بتصفية التلوث تلقائياً وامتصاص العناصر الثقيلة إلا أن التلوث فاق طاقته.

 

مقترحات الحل

 

خضع بردى ولا زال خلال السنوات السابقة إلى حملات تنظيف لمجراه من قبل المحافظة وجمعيات أهلية ومؤسسات دولية إلا أن هذا لا يكفي بل ويحتاج إلى تكثيف الجهود وأيضاً يحتاج إلى محطات تنقية عديدة وهذا ما تسعى إليه الدول التي تحرص على الحفاظ على جمالية أنهارها، ومن هنا ندعو ايضاً إلى حملات التوعية العامة في المدارس ودور المراكز الثقافية، فحملات التنظيف غير كافية ونطالب بعقوبات رادعة للحد من تلوث النهر ما يؤدي  الى انتشار الأمراض نتيجة ري المزروعات بالماء الملوث، إضافة الى الناموس والحشرات الضارة .

 

ونحن ننظر إلى بردى بشوق وحزن لما آل إليه حاله،  فمن عاصره في فترة تألقه بات محفوراً في مخيلته من خلال قصائد الشعر وغناء فيروز، لأننا نحسن الاستماع لأنين نهر اغتسل بدموعه دموع باتت وحدها النقيه التي تجري فيه وتروي قصة مجد لنهر يصارع البقاء .

 

وأخيرا وليس آخرا هل نضع مشروعاً وطنياً لإحياء بردى وكشفه واستعادة الانهار التي طمرناها وتعزيلها يشارك فيه الباحثون والشباب ؟؟

اضافة تعليق