حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

في الذكرى ال82 لاحتلاله من تركيا.. تعرف على قصة لواء اسكندرون....المحافظة الخامسة عشرة في سورية

تحل هذه الأيام الذكرى الـ82 على احتلال تركيا للواء الإسكندرون السوري في 29 نوفمبر 1939، لذا يسعى «تركيا الآن» عبر المساحة التالية إلى عرض تاريخ الغزو التركي للواء، إضافة إلى تتبع السياسات التركية لطمس هويته العربية.

 

لواء الإسكندرون منطقة جغرافية ذات طابع جبلي تقع في الزاوية الشمالية الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، وأهم مدنه أنطاكية و إسكندرونة وأوردو والريحانية والسويدية و أرسوز.

تاريخيا، كان اللواء منذ القدم يتبع سوريا إداريًا، كما كان العرب يتفوقون فيه بصفتهم الأغلبية العددية. وهو ما لم يتغير بعد دخول اللواء، ومعه سورية كلها ضمن الدولة العثمانية في القرن الـ 16 الميلادي، فقد استمرت تبعية الإسكندرون لولاية حلب شمال الشام، كما أكد الرحالة العثماني، أوليا جلبي، في القرن الـ17 الميلادي على عروبة اللواء، عندما أشار إليه باعتباره أول حدود عربستان، وهو مصطلح جغرافي استخدمه العثمانيون لوصف الأقاليم العربية ضمن دولتهم.

 

وبعد خروج العثمانيين من سورية عقب هزيمتهم في الحرب العظمى (1914 - 1918)، بقي «سنجق» الإسكندرون - مصطلح تركي إداري بمعنى لواء - تابعاً لولاية حلب، إلى أن فصل عنها وأصبح مستقلاً، وعُرِّبت كلمة «سنجق» إلى كلمة «لواء» فصار يعرف باسم «لواء الإسكندرون».

وفي معاهدة سيفر العام 1920، التي وقعتها الدولة العثمانية مع الحلفاء على إثر انتهاء الحرب، اعترف الأتراك بعروبة مناطق الإسكندرون  وقيليقية (أضنة ومرسين)، وبالتالي عدم تضمين أي منها في الدولة التركية المزمع إقامتها. ولكن الجمعية الوطنية التركية، الناطقة بلسان القوميين الأتراك، التي تزعمها مصطفى كمال (أتاتورك لاحقًا)، رفضت بنود سيفر، ورسمت خريطة جديدة لتركيا (تسمى خريطة الميثاق الملي) تعتبر الشمال السوري كله بما فيه لواء الاسكندرون جزءًا من الأراضي التركية. وعقب حرب الاستقلال التركية اليونانية، التي انتصر فيها مصطفى كمال، دخلت الجمعية في مفاوضات جديدة مع الحلفاء تمخض عنها التوقيع على معاهدة لوزان 1923، والتي لم تحسم مصير اللواء بصفته سوريًا أو تركيًا، وإنما أبقت عليه كيانًا سياسيًا مستقلًا، رغم علم المجتمعين في لوزان بهويته العربية، ورغم أن تقسيم الشرق الأوسط في أعقاب الحرب العظمى كان يقوم على العنصر الإثني بصفة أساسية.

 

على أي حال، فبناء على رغبة سلطات الانتداب الفرنسي المحتلة لسورية، أعيد ربط الإسكندرون بالدولة السورية الناشئة في عام 1926. وبعد ذلك التاريخ بعشر سنوات، شهدت سورية حراكًا ثوريًا ضد الانتداب الفرنسي، انتهى بتوقيع المعاهدة الفرنسية السورية (سبتمبر 1936)، والتي اعترفت باستقلال الدولة السورية، وبالتالي نقلت ملكية الإسكندرون إلى السوريين. وهو ما اعترضت عليه تركيا بزعامة مصطفى كمال أتاتورك، بحجة أن ذلك يعرض الأتراك في الإسكندرون لخطر الاضطهاد العرقي على يد العرب. وقدمت الحكومة التركية طلبًا لسلطات الانتداب الفرنسي بتحويل الإسكندرون إلى دولة مستقلة، ولما رفضت فرنسا، لجأ الأتراك إلى عصبة الأمم.

 

ففي 8 ديسمبر 1936، أرسلت تركيا إلى السكرتير العام لعصبة الأمم، مذكرة تطلب فيها تسجيل الخلاف بين فرنسا وتركيا على مصير لواء الإسكندرون بعد استقلال سوريا لبحثه. وفي الجلسة المنعقدة لمناقشة الأمر، عرضت تركيا اقتراحها بإنشاء دولة مستقلة فيه، وصرح وزير خارجية تركيا في هذه الجلسة بأن بلاده ليس لها أي مطمع سياسي في بسط سيادتها على الإسكندرون، وهي لا تقصد من وراء إثارة هذه القضية سوى حماية حقوق أبناء جنسها والمحافظة على حياتهم وحرياتهم.

 

أعقب ذلك إرسال لجنة دولية إلى اللواء للوقوف على حقيقة اضطهاد أبناء العرق التركي في الإسكندرون في ديسمبر 1936، وتوازى مع وصول اللجنة اندلاع مظاهرات من العرب والأرمن في اللواء للمطالبة بالإبقاء على الإسكندرون ضمن الدولة السورية الناشئة. وعندما عاد أعضاء اللجنة إلى مقر عصبة الأمم في جنيف، أكدوا على أن الأتراك لا يشكلون - على خلاف الطرح التركي - أي أغلبية في اللواء، كما شددوا على عدم تعرضهم لأي نوع من أنواع الاضطهاد العرقي الواسعة.

 

ولكن لأن فرنسا في ذلك الوقت كانت قلقة من صعود النازية في ألمانيا، ومتخوفة من احتمال انضمام تركيا إلى الألمان من جديد إذا ما اندلعت حرب شاملة على غرار الحرب العظمى، فقد قررت سلطات الانتداب الفرنسي في سوريا إجراء محادثات ثنائية مع المسؤولين الأتراك في يناير 1937، أبرموا خلالها صفقة مع الأخيرين اشتملت على انتقال ملكية الإسكندرون إلى تركيا، مقابل تعهد الأخيرة بعدم الاصطفاف مع النازيين.

 

ومع حلول نهاية العام 1937، بدأت تفاصيل الاتفاق التركي الفرنسي في التكشف للعرب السوريين، ففي 29 نوفمبر من ذلك العام، أنزل العلم السوري عن دار الحكومة في الإسكندرون، رغم أنه كان اليوم الأول لتنفيذ توصيات عصبة الأمم باعتبار اللواء تابعًا لسورية. وهو ما واجهه السوريون بمظاهرات وإضرابات واسعة.

 

وفي ديسمبر 1937، وضع قانون الانتخابات الخاص بلواء الإسكندرون لاختيار الممثلين عنه، فاعترضت تركيا على مادة تحظر على الناخبين تسجيل أنفسهم أمام غير الطوائف التي ينتمون إليها، وطلبت أن يسمح لكل ناخب بأن يسجل نفسه في الطائفة التي يختارها، فاستجاب المجلس لها. وكان الأتراك يبغون من وراء هذا التعديل التمكن من استمالة عدد كبير من الطوائف غير التركية وتسجيلهم في قائمة الطائفة التركية عن طريق الرشوة والإغراء والضغط على الناخبين بالاتفاق مع السلطة الفرنسية.

 

إضافة إلى ذلك، فقد تواطأت فرنسا مع أنقرة، وسمحت لأكثر من خمسة وعشرين ألف ناخب من تركيا بالدخول إلى اللواء والمشاركة في الانتخابات المزمع عقدها، وكانت هي من زودتهم بهويات سورية مزورة مكنتهم من الانتخاب.

وفي أبريل 1938، وصلت اللجنة الدولية التي عينتها عصبة الأمم لإجراء الانتخابات في اللواء. ورغم كل الوسائل الملتوية التي قام بها الأتراك والفرنسيون، فقد حقق العرب تفوقًا واضحًا في الانتخابات التي عقدت بمدينتي إسكندرون وقرق خان. وقبل أن يكرروا النصر في أنطاكية التي يشكل فيها العرب والأرمن مقابل الأتراك، نسبة الثلاث أرباع مقابل الربع، قامت تركيا بحشد قواتها العسكرية على حدود اللواء بحجة أن الانتداب الفرنسي لم يفِ بوعده ويضمن للأتراك أغلبية في مجلس اللواء المنتخب، وشارك الفرنسيون في تلك المسرحية بإعلان وقف الانتخابات بحجة أن الأوضاع الأمنية لا تسمح بإتمامها.

 

وبعد 9 أيام من التوقف، استأنفت اللجنة الدولية الانتخابات في إسكندرون، وقامت المليشيات التركية بتطويق مراكز التسجيل في الأحياء والقرى العربية، ومنعت الناخبين من الوصول إليها، واعتقال كل من يحاول كسر الطوق الذي ضربته حولها. ثم في يونيو 1938، اتفقت فرنسا وتركيا على إدخال 2500 جندي تركي إلى اللواء للمشاركة في حفظ الأمن مع القوات الفرنسية.

 

وسط تلك الأوضاع، غادرت اللجنة الدولية لعقد الانتخابات اللواء، ثم عقدت فرنسا مع تركيا معاهدة صداقة. وسويا، شكلت الدولتان لجنة عليا مشتركة في يوليو 1938، للإشراف على الانتخابات، فقامت هذه اللجنة بإعادة النظر في الجداول الانتخابية التي نظمتها لجنة عصبة الأمم، وألغت قيد 2080 ناخباً عربياً، كما أضافت 947 ناخباً إلى القائمة التركية وسمحت لـ500 ناخب بالتصويت للقائمة التركية. ولم تجر في النهاية انتخابات لأن القائمة التي رشحها الأتراك أعلن فوزها بالتزكية، ونال الأتراك بموجبها 22 مقعداً في المجلس النيابي، بينما أعطي لبقية عناصر اللواء 18 مقعداً.

 

هكذا، سيطر الأتراك على لواء الاسكندرون بالتزوير، وعقد مجلس اللواء جلسته الأولى في سبتمبر 1938 ، والتي انتخب فيها عبد الغني تركمان رئيساً للمجلس، وطيفور سوكمن لرئاسة الدولة. وفي إطار تتريك اللواء ومسح هويته العربية، فقد أعلن المجلس المنتخب إلغاء اسم الإسكندرون، وإطلاق اسم هاتاي بدلا منه. وهاتاي اسم مستمد من لقب حيثي وحيثية، حيث كانت تركيا في ذلك الوقت تشير إلى الحضارة الحيثية التي حكمت آسيا الصغرى في العصور القديمة بأنها حضارة تركية الأصل، وبالتالي فإن قلب اسم اللواء إلى هاتاي، كان يعني - بالنسبة إلى الأتراك - رده إلى أصله التاريخي التركي.

 

كذلك عملت «حكومة هاتاي» على إلغاء التعليم باللغة العربية وإلغاء كافة المعاملات الحكومية بهذه اللغة، وتبني الليرة التركية كعملة رسمية، وجعلت العطلة الأسبوعية يوم الأحد بدلاً من يوم الجمعة، وتبنت القوانين التركية.

ومع دخول العام 1939 واقتراب الحرب العالمية الثانية من الاشتعال، عملت الحكومة التركية والتي كانت تعلم احتياج فرنسا لها ضد النازيين، على ضم الإسكندرون نهائيًا إلى جسد الدولة التركية. فعقدت مباحثات فرنسية تركية انتهت في 23 يونيو 1939 بالتوقيع على اتفاقية تقضي بإلحاق اللواء بتركيا. وقام الأتراك في أعقاب ذلك بتخيير نحو 130 ألف عربي من سكان اللواء بالبقاء والاستسلام للتتريك الكامل، أو الهجرة. وفي حالة اختيار الأخيرة، لم يكن مسموحًا للعرب بنقل أموالهم معهم، بل تصفية أملاكهم غير المنقولة خلال ثمانية عشر شهراً من تاريخ توقيع الاتفاقية. وحتى هذه المادة لم يلزم الأتراك بها أنفسهم، حيث قاموا بالهجوم على أملاك المهاجرين العرب وصادورها لأنفسهم.

 

هذه هي قصة الاحتلال التركي للواء الإسكندرون، والتعرف اليوم عليها ضروري في ظل الهجمة التركية على الشمال السوري منذ عام 2011، إذ من الممكن الربط بين الحادثتين - التاريخية والمعاصرة - من حيث كونهما جزءًا من خطة طويلة الأمد للساسة في أنقرة -على اختلاف الأطياف الأيديولوجية التي ينتمون إليها- لاستعادة خريطة الميثاق الملي، والتي اعتبرت شمال سورية كله جزءًا من الدولة التركية كما سبق القول. وإذا كان أتاتورك قد نجح في ضم الإسكندرون في العام 1939، فيبدو أن رجب طيب أردوغان يحاول الانقضاض على ما تبقى من الشمال السوري في السنوات الحالية، والتي صار يهدد فيها صراحة باستعادة الأوضاع السابقة للتوقيع على معاهدة لوزان.

اضافة تعليق