حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

دراسة: العلاقات السورية - المصرية نموذجاً يُحتذى به لعلاقات قوية ووثيقة منذ القدم

نشر المعهد المصري للدراسات، دراسة للكاتب "حسن صعب"، بعنوان: العلاقات المصرية – السورية 2014 – 2021، حيث بيّنت عمق العلاقات السورية – المصرية رغم التحولات الكبيرة التي حصلت على مستوى البلدين وعلى مستوى المنطقة عموماً، ورأت الدراسة أن سورية ومصر تمثلان قوّتان عربيتان أساسيتان، في الدائرتين العربية والإقليمية، سواء فيما يتعلق بالصراع "العربي والإسلامي– الإسرائيلي"، أو القضايا والشؤون العربية البيْنية، وفي هذا الإطار، رأت الدراسة، أنه "يمكن تعداد الكثير من المعطيات أو الميزات الذاتية والموضوعية (الموقع الجيوسياسي، الموارد الطبيعية والبشرية، التماس المباشر مع "إسرائيل"،…)، التي تجعل كلاً من مصر وسورية قوّة لا يمكن تجاهل تأثيرها الحاسم في تطورات المنطقة وتحوّلاتها، سواء في حالات السلم أو في حالات الحرب. 

 

وقالت الدراسة: "تُعدّ العلاقات المصرية - السورية نموذجاً يُحتذى به لعلاقات قوية ووثيقة منذ القدم، حيث ترتبط الدولتان بأواصر تاريخية ثقافية وعلاقات متميزة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي ساعدت على انتقال الأفراد والمبادلات الاقتصادية والحضارية بين البلدين، مما يؤكد المصير الواحد والمشترك لهما".

 

واستعرضت الدراسة، تحولات العلاقات المصرية - السورية قبل 2014، والتي اتسمت على طول تاريخها بأنها علاقات متميزة تجد جذورها في التاريخ المشترك؛ ولذلك لم تأتِ تجربة الوحدة التي قامت بين مصر وسورية في عام 1958 من فراغ‏. ولم يكن قيام الجمهورية العربية المتحدة إلاّ حلقة في سلسلة طويلة ومتصلة، تشكّل رباطاً تاريخياً قدرياً وحتمياً يربط بين سورية ومصر، ويصنع ملامح وتفاعلات العلاقات بين البلدين‏.‏ إضافة إلى ذلك، لفتت الدراسة إلى الروابط التي جمعت البلدين بعد الانفصال كميثاق ‏17‏ نيسان ‏1963‏، وكذلك اتفاقية اتحاد الجمهوريات العربية الموقّعة في بنغازي في‏17‏ نيسان ‏1971‏ بين مصر وسورية وليبيا. وإذا كانت هذه التجارب جميعاً لم يُكتب لها النجاح‏،‏ فإن المغزى الواضح منها هو تأكيد أهمية العلاقة المصرية-السورية كعلاقة حيوية ومحورية إزاء التحديات المشتركة على الساحتين الإقليمية والدولية.

 

وحول مؤشرات تحول العلاقات المصرية-السورية بعد 2014، رأت الدراسة أنّ:

 

1- تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي: كان لها تأثير إيجابي ، وتأكيده أن سورية تمثّل عمقاً استراتيجياً لمصر، ودعا إلى احترام وحدة أراضيها، وأكد ارتباط الأمن القومي المصري بوحدة الدولة السورية وعدم تقسيمها أو تفتيتها.

 

2- دعم مصر للجيش السوري في مواجهة “الإرهاب”: حيث بدأت القاهرة تتحدث عن أهمية إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية،  وجاء ذلك بالتوازي مع تأكيد الرئيس بشار الأسد، في نهاية العام 2016، في تصريحات صحافية، أن العلاقات السورية-المصرية بدأت تتحسن، موضحاً أن هذه العلاقات تقتصر حالياً على التعاون الأمني، ومعترفاً بالدعم الذي يتلقّاه جيشه من الجيش المصري.

 

وفي أواخر نيسان من العام 2020، جرت محادثة هاتفية بين وزير الخارجية المصري سامح شكري وبين مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية غير بيدرسن، حيث أكد الأول خلال تلك المحادثة أن “مصر تعتزم إعادة سورية إلى موقعها الطبيعي على الساحتين الإقليمية والدولية”. ويُعدّ هذا تكريساً لالتزام مصري بدا واضحاً حيال سورية منذ عقد، رغم ما اعترى هذا الالتزام من خمود واضطراب في أحيان عديدة، لأسباب تراوحت ما بين الانشغال بالذات، وموازنة الضغوطات.

 

3- زيارة مملوك إلى القاهرة: في إطار اللقاءات غير المعلن عنها رسمياً، والتي سبقت إعادة الإحياء الجزئي للعلاقات بين مصر وسورية أخيراً، كشفت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن تفاصيل لقاء جمع رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك بالرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي في القاهرة. وأوضحت الصحيفة أنه في نهاية شهر آب من العام 2015، زار اللواء مملوك القاهرة بعيداً من الأضواء، والتقى إلى جانب الرئيس المصري عدداً من كبار المسؤولين في الجيش المصري والاستخبارات والأمن. كما أشارت المصادر إلى أنه تم التوافق على ضرورة أن تلعب دولة مصر دوراً أكبر فيما يخص الأزمة السورية، لما تشكّله سورية من عمق استراتيجي يرتبط بالأمن القومي المصري؛ وهو ما سمعه المملوك من المسؤولين المصريين، إذ أكدوا بأن القاهرة ترى أن الحلّ للأزمة السورية لا يمكن إلاّ أن يكون سياسياً، بحسب جريدة الأخبار.

 

4- دور مصر لإعادة سورية إلى الجامعة العربية:  حيث في يناير 2021، كشف وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أمام البرلمان، عن أسباب تأخر عودة العلاقات مع سورية، وقال إن “عودة العلاقات المصرية-السورية فيها بعض التعقيد، مُعرباً عن أمله في عودة سورية إلى محيطها العربي، ومشيراً إلى أن “ما تعرّض له الشعب السوري “من كوارث ونزوح” يضع قيوداً على تحركات الإقليم تجاه دمشق”.

 

وفي هذا السياق، رأت الدراسة، أنه تتعاون مصر مع دولة الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى في محاولة إقناع الولايات المتحدة بتخفيف هذه القيود، بحجّة ضرورة ذلك لضمان المشاركة العربية الفعّالة في إعادة إعمار سورية من خلال الجهات الرسمية أو القطاع الخاص. وأجرى دبلوماسيون مصريون وإماراتيون اتصالات بالدول العربية الرافضة لاستطلاع شروطها لعودة سورية، وما إذا كان من الممكن تحقيق ذلك قريباً في ظل تغيّر الظروف السياسية، نافية في الوقت نفسه ارتباط هذا الملف من وجهة النظر المصرية، سواء بالإيجاب أو السلب، بتطوّر العلاقات مع تركيا أو إيران.

 

كما أثار اللقاء الوزاري الأول من نوعه منذ 10 سنوات بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره السوري فيصل المقداد، في مدينة نيويورك الأميركية، بتاريخ 24/9/2021، تساؤلات حول دلالات وتداعيات التحوّل المفاجئ في موقف القاهرة من التأييد الضمني للدولة السورية إلى التأييد المعلن، في ظلّ تحوّلات المنطقة وتشابك قوى دولية وإقليمية مختلفة في الملف المتأزم منذ عام 2011.

 

ثالثاً: تحديات ومعوقات

 

تتحكم في مسارات العلاقات بين الدول عوامل جيو-استراتيجية وسياسية وأمنية واقتصادية مختلفة. وعادة ما تشهد هذه العلاقات صعوداً وهبوطاً، أو مداً وجزراً، وذلك بتأثير كلّ أو بعض العوامل المذكورة آنفاً، ناهيك عن الظروف الموضوعية والأحداث المفصلية أو الآنيّة التي تُسهم أيضاً في تقدّم أو تراجع العلاقات بين الدول.

 

وليست العلاقة “الصعبة” بين مصر وسورية خلال العقود الماضية استثناءً، حيث مرّت تلك العلاقة بتحوّلات عديدة، ومعظمها في المنحى السلبي، على الرغم من الروابط التاريخية والجغرافية والسياسية والاقتصادية العميقة التي تربط بين الدولتين، كما يصرّح قادتهما في مختلف المناسبات، ومن أهم العوامل التي تفرض على النظام المصري الحالي، تحت حكم السيسي، السعي، ولو تدريجياً، لاستعادة العلاقات الطبيعية مع سورية.

 

كما أن الصراع العربي المفتوح مع الكيان الإسرائيلي والمشروع الصهيوني في المنطقة، بأبعاده الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والثقافية، يلقي بتداعياته السياسية والأمنية على مصر، على الرغم من استمرار اتفاقية "كامب ديفيد" بينها وبين الكيان الإسرائيلي؛ أي بمعنى أن النظام المصري الذي لم يستطع فرض التطبيع بين المصريين والإسرائيليين طيلة عقود مضت، يدرك أن من مصلحته في المقابل عدم قطع التواصل مع سورية تحت أي ظرف، كما يظهر في مواقف المسؤولين في مصر وسورية، أو في التحليلات المواكبة لها.

 

لكن تبرز عدة عقبات تحول دون عودة العلاقات الطبيعية بين مصر وسوريا، من بينها:

 

1: الرفض الأميركي، المعلن وغير المعلن، لفك عزلة الدولة السورية المرتبطة بعلاقات متينة مع إيران وحلفائها؛ والأمر عينه ينطبق على الكيان الإسرائيلي الذي تربطه اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع النظام المصري منذ عقود، وهو لا يُحبّذ عودة العلاقات بين مصر وسورية إلى سابق عهدها، لدوافع استراتيجية، أمنية وسياسية واقتصادية معروفة.

 

2: أن لدول الخليج عموماً، وللسعودية تحديداً، تأثير كبير في دوائر صنع القرار السياسي والاستراتيجي في مصر، أيضاً من خلال “سلاح” المساعدات المالية السخيّة للنظام المصري طيلة عقود، باستثناء مرحلة حكم جماعة الإخوان المسلمين التي لم تستمر أكثر من عام واحد فقط (2012/2013).

 

3: هناك اعتبارات أو عوامل داخلية عديدة تقف حجر عثرة أمام إقامة علاقات استراتيجية أو حتى طبيعية بين مصر وسورية، على الأقل في المدى المنظور، وهي تتعلق بظروف البلدين والدولتين، السياسية والأمنية والاقتصادية، كما بعلاقاتهما الخارجية.

 

4: يتموضع طرفا العلاقة قيد البحث، مصر وسورية، ضمن محورين أو إطارين متصادمين أو متصارعين على مستوى المنطقة، ولأسباب أو دوافع استراتيجية أو غير استراتيجية، سواء ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الإسرائيلي، أو فيما يخص قضية أمن الخليج العربي والممرّات البحرية والمائية، وصولاً إلى العلاقة مع إيران والدول أو القوى الحليفة لها أو المتخاصمة معها، وفي طليعتها السعودية.

5: فيما يخص الصراع مع الكيان الإسرائيلي تحديداً، لم تتغيّر المواقف السياسية، المصرية والسورية، من الناحية الجوهرية. وهذه مسألة استراتيجية بالنسبة للطرفين المصري والسوري، لأنها ترتبط بخيارات كبرى تؤثّر في مصير الدولتين أو النظامين، بحسب رؤية كلٍ منهما لمصالحه وأولوياته.

 

خاتمة

 

شهد شهر نوفمبر 2021، تحولات مهمة في الملف السوري، يمكن أن تنعكس على العلاقات المصرية ـ السورية، منها زيارة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد دمشق ولقائه بالرئيس السوري بشار الأسد (9/11/2021)، في نفس الوقت الذي تُسرّع فيه دولة الإمارات من خطط ومشاريع التطبيع الشامل مع الكيان الإسرائيلي، الذي يستهدف سورية سياسياً وعسكرياً وأمنياً بشكل مباشر خلال الأعوام الأخيرة.

ومع هذا التحول تبقى على عاتق صانعي القرار في مصر وسورية مسؤولية اتخاذ القرارات الحاسمة، والتي تصبّ في مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، اللذين تحمّلا الكثير الكثير بسبب الافتراق المديد الذي حصل بينهما، والذي لم يعد بالنفع سوى على أعداء المنطقة.

 

الكاتب: حسن صعب

اضافة تعليق