حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

“كورونا” سيُعيد رسم التحالفات الدولية

كشف فيروس كورونا هشاشة التحالفات القائمة في أوروبا في إطار الاتحاد الأوروبي الذي يملك مؤسسات وبرلمان ووزارات وميزانية، لكنه لا يملك الجرأة على اتخاذ قرار مساعدة أحد أعضائه، وبدا ذلك واضحاً أثناء تعرض إيطاليا وإسبانيا إلى غزو كورونا في الوقت الذي وقفت دول الاتحاد الأخرى تتفرج عليهما وكأن الأمر لا يعنيها، بينما شاهدنا الصين التي تعرضت لذات الفيروس واستطاعت إلى حد ما تطويقه تبادر إلى إرسال المساعدات إلى إيطاليا وكذلك فعلت روسيا.

 

كورونا لا بد أن يترك آثاره، ليس الصحية وحدها على دول الاتحاد الأوروبي، بل لجهة المساهمة أيضاً في وضع خريطة جديدة لتحالفات قادمة لا تكون السياسة فيها المحرك الرئيسي، بل الأمور الإنسانية والاقتصادية أيضاً.

 

وما ينطبق على أوروبا ينطبق أيضاً على الولايات المتحدة التي كشف كورونا هشاشة نظامها الصحي، حيث تبدو عاجزة عن مجابهة خطره عدا عن أنها باتت الدولة الأولى في العالم من حيث عدد الإصابات والوفيات في الوقت الذي كانت فيه تغزو بعض دول العالم وتحاصرها، ومنها جارات لها وبعض دول آسيا، هذا كله لابد أن يرسم ملامح تحالفات وسياسات جديدة فرضتها جائحة كورونا.

 

هذا ملخص ما تحدثت عنه صحيفة “الإيكونومست” البريطانية في مقال تحليلي جاء فيه:

 

شكّل فيروس كورونا أزمة صحية غير مسبوقة في التاريخ الحديث ليضع العالم أمام تحديات كبيرة لها تداعياتها على العلاقات الدولية التي حكمت معظم دوله، فالعالم كان مستقراً إلى حد ما، بعلاقاته ضمن مجموعة اتفاقيات ومعاهدات أرسى من خلالها آلية العمل للسياسة الخارجية لكل محور لتحتل الولايات المتحدة مركز الهيمنة والديكتاتورية، فالحليف بالنسبة لها هو تابع، والعدو هو من يتطلع لبناء مستقبل بلاده من دون الاكتراث بالخطوط الحمراء التي ترسمها الولايات المتحدة له.

 

لقد وضع هذا الفيروس الصغير الذي لا يرى بالعين المجردة والمسمى بـ«كورونا» العالم في أكبر اختبار له، وسيتحول كورونا الذي أدخل الجميع في دوائر الخوف والهلع، بل أفقد معظم العالم القدرة على السيطرة.. سيتحول إلى عامل مؤثر في تشكيل السياسات والتحالفات الدولية القادمة التي لن يكون طابعها ابتزاز الشعوب عن طريق العدوان العسكري، بل ربما يتعدى ذلك إلى تحالفات يكون فيها للطابع الإنساني مكانة خاصة.

 

إن ظهور كورونا في أوروبا والولايات المتحدة بشكل متزايد -وما يزال العداد في تصاعد حاملاً معه أرقاماً جديدة- كشف موقف أمريكا كدولة انتهازية وأنانية، وظهرت أوروبا أمام هذا الحدث كقوة دولية متراخية وغير متماسكة وعاجزة عن مواجهة الأزمات الطارئة، بينما ارتقت الصين في مواقفها وقدراتها وقامت بمد يد العون لبعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا وكذلك فعلت روسيا.

 

كل هذه المؤشرات تدل على بدء تغيير في الموقف الدولي وإعادة تشكيله -وإن لم تكن مؤشرات قوية- وعلى قرب انهيار المنظومة الدولية الحالية ذات الأحادية القطبية.

 

لقد استطاعت الصين -رغم الحملة الكبيرة التي تشنها واشنطن ضدها لتشويه صورتها إعلامياً فيما يخص هذا الفيروس- تسجيل العديد من النقاط لصالحها في هذه المعركة، وما هو ملاحظ في هذا السياق هو قدرة الصين على إرساء منظومة قيم وسلوكيات من شأنها أنسنة العلاقات بين الدول والشعوب ونبذ كل ما يهدد طموح التعاون المشترك، وهذا بخلاف ما ترسخه الولايات المتحدة من العداء للأمم والشعوب، ما فرض أشكالاً جديدة من المواقف تجاه هذا الصراع الذي ستؤسس لإعادة توجيه العلاقات الدولية في عالم ما بعد كورونا.

 

ومع انتشار كورونا في أوروبا وعلى الأخص في إيطاليا، وتخلي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن مساعدتها، والقرارات الصادرة عن دول الاتحاد بإغلاق الحدود وإيقاف العمل بمعاهدة “شنغن” التي تعد الركيزة الأساسية للاتحاد الأوروبي.. تسارع كل من الصين وروسيا إلى انتهاج مواقف وسياسات مختلفة، وتقديم الدعم لإيطاليا ولعدة دول أوروبية تفشى فيها الفيروس، لنرى صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تُرفع في بلدات إيطالية، ويرفرف العلم الصيني في سماء صربيا مع كلمات الشكر والعرفان من الرئيس الصربي حيث قال: لقد رأينا أنه لا يوجد تضامن ولا تكاتف في أوروبا، أنا أثق بالصين فهي الدولة الوحيدة التي ساعدتنا.

 

وهذا يعبر عن إمكانية كبيرة لظهور تحالفات جديدة وإلغاء تحالفات سابقة، ما يحدث تغييراً كبيراً في العلاقات الدولية من ناحية توجه دول الاتحاد الأوروبي إلى الاهتمام بالمصلحة القومية وتفضيلها على مصلحة الاتحاد وهو ما يؤثر على وجود هذا الاتحاد الذي فشل في مواجهة كورونا، وتوجه بعض دوله إلى بناء علاقات أكثر قوة مع دول مثل الصين وروسيا، وهو ما سينعكس على علاقات بعض الدول الأوروبية مع الولايات المتحدة التي تعاملت باستخفاف مع أزمة كورونا وأثبتت ضعفها وغياب أي استراتيجية للتعامل معه بعد أن فضلت المصلحة القومية لأمريكا على مصلحة الدول الأوروبية التي تحكمها معها علاقات مهمة ما سيؤثر مستقبلاً على التحالف العسكري المتمثل بـ«ناتو» وعلى التحالفات الاقتصادية الأخرى المهددة بالانهيار.

 

كما سيترك فيروس كورونا آثاره على منظمة التجارة العالمية التي ستعاني انسحاب دول عدة، وأول هذه الدول ستكون الولايات المتحدة التي تفشى فيها الوباء نتيجة عدم تعامل إداراتها بالشكل اللازم للحد من انتشاره، وبسبب النقص الكبير في المستلزمات الطبية التي تساهم في مكافحته، حيث سارعت الولايات المتحدة لتأمين حاجاتها الداخلية بعيداً عن السوق العالمية، وهو ما سيجعل العديد من الدول الأوروبية تحذو حذو الولايات المتحدة، ما سيؤثر سلباً على هذه العلاقات، وإلى انكفاء الدول على نفسها واتجاهها لعقد تحالفات جديدة تحقق أهدافها وتناسب مصالحها.

 

في ميزان السياسة لا توجد علاقات دائمة، بل مصالح مشتركة، ولا عجب لو وجدنا في المستقبل تحالفات بين من كانوا البارحة أضداداً.. وسنرى تأثير كورونا في تغيير العلاقات الدولية، ولعل أهم آثاره هو تعرية الولايات المتحدة من لقب الدولة العظمى وفضح عجزها مع غياب أي استراتيجية لها في إدارة الأزمات.

اضافة تعليق