حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

النفط بلا قيمة: ماذا تفعل أمريكا في الجزيرة السورية؟ معركة نفط ام صراع نفوذ

الدكتورة حسناء نصر الحسين

تأتي الاهمية الجيواستراتيجية لمنطقة الجزيرة السورية من كونها تقع في شمال شرق سورية ويحدها من الشمال تركيا ومن الشرق العراق ومن الجنوب دير الزور ومن الغرب محافظة الرقة، حيث شهدت هذه المنطقة عبر تاريخها وفوق أراضيها تصارع عدد كبير من الحضارات القديمة مثل الآشوريين والحتيين والميتانيين والبابليين والفرس والرومان والفتوحات الإسلامية مرورا بالاحتلال العثماني وليس انتهاءا بالغزو الفرنسي وعهد الانتداب، لنصل في يومنا هذا إلى الاحتلال الأمريكي الذي حاول جاهدا أن يجد لنفسه موطئ قدم واسما في منطقة الجزيرة السورية يضاف إلى القائمة العريضة لتاريخ هذه المنطقة التي شهدت على حضارات متعاقبة وتنافس امبراطوريات تحطم جبروتها في تلال هذه الجزيرة حيث كانت ومنذ القدم المعترك الذي وقعت فيه الجيوش المتصارعة بين الشرق والغرب وجها لوجه كما في أيام الفرس والرومان ليضاف في يومنا هذا العراك الإرهابي المصنع في دوائر الاستخبارات الأمريكية وإرهاب بعض الفصائل الكردية التي غيرت مطبخها الفرنسي الذي أوجد لها مكانا في منطقة الجزيرة السورية  لتدخل المطبخ الأمريكي ولا تستقر فيه .

من خلال هذه الأدوات أوجدت الولايات المتحدة الأمريكية لنفسها مكان تجلس فيه على تلة او عدة تلال في الجزيرة السورية وان كان عام ٢٠١٤  هو عام الاعلان عن ما يسمى  بالتحالف الدولي برئاسة أمريكا  لمحاربة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية فإن عام ٢٠١٥  هو عام بناء الركائز لقوات الاحتلال الأمريكي للسيطرة على منطقة الجزيرة السورية بحجة مساعدة ما يسمى بقوات سورية الديموقراطية في حربها ضد التنظيم في منطقة عين العرب .

ولأن الولايات المتحدة الأمريكية خير من تذوق طعم الهزيمة نجد في استراتيجيتها العدوانية الخطط البديلة بعد كل مرحلة بهدف تحقيق لو الحد الأدنى من بنك أهدافها وخدمة لهذه الأهداف أدخلت الارتال العسكرية المجهزة بالعدة والعتاد الضخم إلى هذه المنطقة بعد أن كان تدخلها مقتصراعلى عدد قليل على مستوى الخبراء .

فما إن انتهت معركة الاكراد مع قوات الارهاب  في مناطق عدة داخل الجزيرة السورية سارعت الولايات المتحدة الأمريكية لخلق الذرائع لإطالة مدة تواجدها على الأراضي السورية وهنا كانت الذريعة مراقبة تنظيم داعش الإرهابي القابع عدد كبير منه في سجون ما يسمى بقوات سورية الديموقراطية (قسد)  ومنعه من معاودة الانتشار ، ومع رفض أمريكا ودول غربية وآسيوية استقبال ارهابييها حافظت واشنطن على جيشها الإرهابي كورقة ضغط على سورية تستخدمها متى أرادت ضد الدولة السورية وما حصل منذ فترة قصيرة في أحد سجون داعش الخاضعة لسيطرة مايعرف بقوات سورية الديموقراطية من حدوث اضراب استطاع عدة عناصر من إرهاب داعش من الفرار والهروب إلى مناطق مجهولة وما سبقها من نقل لقادة ارهابيين نفذته أمريكا عبر ما يسمى بالتحالف الدولي خير دليل على رغبة أمريكا في استمرار جهودها باستخدام ورقة الارهاب تارة وأخرى ورقة بعض الفصائل الكردية التي أدرجت على أجندتها مطلب الحكم الذاتي الذي يخفي في جنباته الانفصال عن الدولة الام السورية خدمة لمصالح أمريكا وإسرائيل في تقسيم سورية ، وما أن أوقفت  استغلال هذه الأوراق لفترة وجيزة مع الحفاظ عليها طل علينا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليقول : نحن في سورية بهدف حماية حقول النفط من السرقة وحرمان داعش من الاستفادة منها في تمويل الإرهاب ومانتج عن هذه التغريدة من إرسال المزيد من الجيوش الأمريكية القادمة من القواعد الأمريكية في العراق الشقيق وتوسيع دائرة الاحتلال الأمريكي من خلال زيادة عدد القواعد العسكرية الأمريكية في الجزيرة السورية ومانتج عن هذه الحماية من سرقة للنفط السوري وهذا ما عبر عنه أيضا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقوله نحن نريد النفط السوري .

واليوم وبعد انهيار سوق النفط ووجود مئات الآلاف من البراميل المكدسة يجب علينا أن نطرح سؤالا محوريا ، ماذا تريد الولايات المتحدة الأمريكية من الحفاظ على تواجدها في منطقة الجزيرة السورية ؟

الموقع الجيوسياسي للجزيرة السورية الذي له حدود مشتركة مع كل من العراق وتركيا يشكل عاملا حيويا للحفاظ على التواجد الأمريكي  في منطقة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص بعد هزيمة الولايات المتحدة في العراق وخروج قواتها المذل من العراق الذي عملت على إعادته عبر جيشها الإرهابي المتمثل بداعش واخواتها ومع انتصار القوات العراقية والحشد الشعبي العراقي على الارهاب والخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته أمريكا وإسرائيل باغتيال الشهيد قاسم سليماني والشهيد ابو مهدي المهندس ومانتج عن هذا الاغتيال من رد إيران بضرب القوات الأمريكية في عين الأسد ومطالبة البرلمان العراقي بخروج القوات الأمريكية من العراق وجدت الولايات المتحدة في منطقة الجزيرة السورية البديل عن ما ستخسره من قواعد عسكرية في العراق يؤمن لها بقاء السيطرة وسهولة إعادة الاحتلال وضرب اي دولة عربية مستهدفة من خلال هذه القواعد التي بنتها بطريقة غير شرعية في منطقة الجزيرة السورية ولابد من الإشارة إلى أمر مهم آخر هو تعزيز تواجد الحليف الروسي في منطقة الجزيرة السورية على إثر اتفاق بين تركيا  وروسيا وقوات سورية الديموقراطية أثر ما سمي عملية  نبع السلام ولعل هذا الأمر يشكل صراعا على النفوذ في هذه المنطقة وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية توسيع مناطق نفوذها فيها لعدم السماح لروسيا بالتمدد والسيطرة عليها وتسليمها للدولة السورية و ليس خفيا توتر العلاقات الأمريكية _ التركية وقلق الولايات المتحدة من سياسة تركيا بعد توطيد العلاقات التركية الروسية وشرائها لمنظومة الصواريخ الروسية اس  400   وقلقها على مستقبل  تواجدها في قاعدة إنجرليك التركية لتجد لنفسها قواعد بديلة أيضا عن ما ممكن ان تفقده في حال ازدياد توتر العلاقات بينها وبين تركيا وليس خافيا على احد ما تقوم به أمريكا من زيادة عدد قواتها في منطقة التنف السورية  الواقعة ضمن المثلث السوري _ الأردني _ العراقي وكيفية استغلالها لملف اللاجئين في مخيم الركبان وافشال اي محاولة من قبل الدولة السورية وروسيا  لإعادة اللاجئين السوريين ومنعهم من مغادرته بهدف الحفاظ على التواجد للقوى الإرهابية المتواجدة فيه وأضيف رفض أمريكا لمغادرة قاعدة التنف التي استولى عليها تنظيم الدولة الإسلامية في عام ٢٠١٥  ومن ثم استولت عليها الولايات المتحدة الأمريكية وحولتها إلى قاعدة عسكرية لقواتها لتكون هذه القاعدة بديلا تعوض من خلاله ماقد تخسره في العراق وتركيا وتحافظ من خلال هذا التواجد على توازن القوى  مع روسيا الاتحادية بما يضمن لها مصالحها الكبرى المتمثلة بحماية أمن الكيان الصهيوني ، من خلال كسر عقدة الوصل بين محور المقاومة والاستمرار في استنزاف الدولة السورية ومنعها من بسط سيطرتها على كامل الجغرافية السورية وهذا ما عبرت عنه أمريكا مؤخرا من خلال إدخال آلاف الشاحنات المحملة بالأسلحة والذخيرة ومعدات عسكرية ولوجستية إلى محافظة الحسكة بهدف تعزيز وجودها في منطقة الجزيرة السورية بعد أن تعرضت مركبات جنودها لعدة مرات للاستهداف من قبل حواجز الجيش العربي السوري والأهالي ومنعهم من العبور .

وقد يجد ترامب في توسيع دائرة الاحتلال الأمريكي في الجزيرة السورية في مواجهة مع الحليف الروسي لسورية على مناطق النفوذ افضل ورقة يستخدمها في حملته الانتخابية بعد أن انهارت أسهمه إثر فشله في تبني استراتيجية ناجحة في احتواء فايروس كورونا المستجد،  كل هذه العوامل تدفع بالولايات المتحدة وعلى رأسها رئيسها ترامب لتبني استراتيجية جديدة عبر تكريس تواجدها في الجزيرة السورية خاصة على مستوى التسليح مرورا بإعادة تدوير ورقة الاكراد وصولا إلى صناعة جيش محلي رديف للقوات الأمريكية يحقق مصالحها في هذه المنطقة واستثمارها في النتائج على المستويين الإقليمي والدولي إلا أن هذه الطموحات الاحتلالية الأمريكية لن تكون سهلة المنال مع تصميم الدولة السورية وحلفائها على تحرير كامل التراب السوري واستعادة السيادة السورية لكامل جغرافيتها وما إطلاق الدولة السورية للمقاومة الشعبية في الجزيرة السورية إلا تعبير عن هذه الإرادة ورفض أبناء العشائر فيها للانضمام للقوات الأمريكية مع كل المغريات المالية والمادية إلا بداية لإعلان فشلها في تحقيق أهدافها.

وكلنا امل بأبناء العشائر السورية في منطقة الجزيرة بتوحيد صفوفهم وتركيز اهتمامهم بشكل أكبر على مقاومة هذا المحتل الأمريكي لإجباره على الخروج من هذه المنطقة حينها يمكننا نحن الشعب السوري بالاحتفال بالنصر الكبير ونحفظ لسورية كرامتها وعزتها ولتسجل حينها تلال الجزيرة السورية تاريخ نصر يضاف لرصيدها التاريخي العريق في هدم امبراطورية العصر الحديث المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية.

باحثة في العلاقات الدولية – دمشق

اضافة تعليق