حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

الغرب الأمريكي وسورية: فوبيا التعافي والنهوض وقدر المواجهة

في رسالة للقائد حافظ الاسد كتبها للشعب الامريكي قال فيها: إننا لسنا ضد الشعب الامريكي، نحن ضد سياسة تلحق الضرر بمصالحنا، ولا نريد أن تكون بيننا وبين الولايات المتحدة الامريكية اشتباكات، ولا مصلحة لنا في ذلك، ولكن أيضا ليس لدينا خيار آخر عندما نضرب إلا أن ندافع عن أنفسنا.

بهذه الكلمات أسس القائد الحافظ للخط المبدأي والثابت لسوريا، وهو خط المواجهة والقدر الذي خط لها على كل مسارات العدوان عليها .

التصرف على مبدأ استمرارية المعركة مع أعداء سوريا هو الاساس في المواجهة، لاعتبار جوهري هو أننا أمام عدو لا يترك لنا مجالا نتنفس فيه، بدون أن يبث سموم عداوته على سوريا، لنقف أمام معادلة بمسارات مطردة فكلما رأو سوريا المقاومة والصمود والتحدي تتعافى وتنهض، كلما زادو من عدوانيتهم تجاهها وكلما قست المعركة أكثر وأكثر.

وجدت سوريا نفسها أمام عدو برؤوس متعددة، وكلهم يقف في نفس الخندق من العداء لسوريا، فلا يريدون أن يبنى بلدي، ولا يريدون أن تتقدم، ولا يتحسن مستوانا المعيشي والحياتي، وأن يرتفع مستوانا الاقتصادي والثقافي، ولا أن نبني قوتنا العسكرية البناء الشامل، ولا يريدون أن نحمل سياسة مستقلة تتسم بالمبدأية في المواقف تجاه قضايا الأمة المصيرية والمهمة على وجه الخصوص .

على مدى تسع سنوات من حرب وعدوان استطاعت سوريا بجيشها وشعبها وقيادتها أن تخرج منتصرة في العديد من المحطات، متجاوزة العديد من الصعاب التي تمكنت من خلالها إفقاد الاعداء العديد من أوراق المؤامرة والاستهداف، وأمام مشهد الهزيمة للمحور الامريكي المعادي لسوريا، وجد هذا المحور نفسه مجبرا للانتقال من خطة لأخرى بعد فشله الذريع والمستمر في الميدان العسكري، باحثا عن مسارات عدوان أكثر قذارة وأشد شراسة عبر عدوانه الاقتصادي والحصار، واستهداف الشعب السوري في لقمة عيشه ومعاشه في الحياة، متوجا هذا الاستهداف بما اسماه قانون قيصر، والذي كان الهدف منه الإضرار بالشعب السوري من خلال استهدافه في أمنه الغذائي والدوائي وفي مقومات عيشه الاساسية.

وليست المرة الأولى التي يفرض فيها حصار اقتصادي على بلدي سوريا إنما عانت من اجرام هذا الحصار الجائر في الثمانينات والتسعينيات وخرجت منه منتصرة .

وبالعودة لبدايات هذه المؤامرة نجد أن توقيت هذا الاستهداف كان في مرحلة كان قد أطلق عليها القائد بشار الأسد بسورية التطوير والتحديث  في كل مفاصل الدولة وبالاخص الاقتصادي وهذا ما جعل دول العدوان تعجل بهذا الاستهداف لإيقاف عجلة هذا التقدم والتطور والتحديث واستهداف حلب العاصمة الاقتصادية لسورية ونهب معاملها خير دليل على ذلك .

تفاصيل المؤامرة لم تجهز على مرحلة واحدة، وإنما على مراحل وحلقات عدة، مدركين بذلك أن سوريا لم تكن يوما معركتها مع الجماعات الارهابية التى تم استجلابها من كل اصقاع الارض، بقدر ما كانت معركتها مع قوى المؤامرة والاستكبار العالمي وهذا الحلف الامريكي الذي يريد للمنطقة خارطة جديدة يرسمها على أساس مصالحه، ليبدأ نسج خيوط هذه الخارطة من سوريا، بقناعة كاملة لديه بأن تجاوز سوريا هو تجاوز لنقطة البداية المركزية والأهم، وأن إبقاء سوريا خارج هذا المخطط هو إعلان فشل كامل له، وفي ما يؤكده الواقع من استهداف متلاحق للدولة السورية ما يؤكد تلك القناعات بمحورية ضرب الدولة السورية وارتباط مفصلية نجاح المشروع بهذاالاستهداف .

بالنظر إلى المشهدية الأخيرة، وما جرى منذ عدة أيام من ارتفاع غير مسبوق للاسعار التي طالت كل مقومات الحياة للمواطن السوري يكرس لدينا نظرية المؤامرة على بلادي لان هذا الغلاء لم يشهده المواطن السوري خلال اصعب مراحل حربه مع الارهاب العالمي على مر السنوات الماضية وهذا يجعلنا نقرأ بشكل جيد ان أسياد العدوان على سورية انتقلو من الخطة أ  الى الخطة  ب الى الخطة ج  في محاولة منهم لتحقيق ما خسروه من أهداف عبر أدواتهم الإرهابية ومنظماتهم الاستعمارية ولعل الواقع الدولي والإقليمي بعد جائحة كورونا من إغلاق للحدود يسهم بشكل كبير في استكمال مشروعهم الإجرامي في تجويع الشعب السوري المقاوم لاركاعه وهنا لابد من الإشارة إلى خونة الداخل الذين يلعبون دورا سلبيا في هذا السياق ليقدموا خدمة مجانية للدول المستهدفة لبلدهم ولعل ما جاء على لسان المحلل السياسي الصهيوني  ايدي كوهين خلال مقابلة معه على قناة روسيا اليوم قبل أيام قليلة وما نتج من ردات فعل خير دليل على استمرار الدور الإسرائيلي  الغربي الأمريكي في عدوانهم على سورية مستخدمين  كل أوراقهم القذرة فالارهاب المهزوم لم يعد يفي بالغرض ومكناتهم الإعلامية أصبحت مكشوفة وسرقتهم لثروات بلادي أصبحت أمرا مفضوحا والذراع التركية الارهابية مستمرة في دورها الارهابي بسرقة القمح السوري وحرق المحاصيل الزراعية لتصبح دائرة العدوان على سورية مكتملة وغنية بكل انواع الجرائم المحرمة دوليا في محاولة منهم لتضييق الخناق على شعب عاشق لقضيته وجعل عنوان حياته الأبرز هو الصمود والتصدي لكل هذه المؤامرات فكان لابد من استهدافه للقمة عيشه .

اعداء سوريا يدركون جيدا بقدرتها على النهوض، واستطاعتها على سرعة البدإ برحلة البناء بعد كل تعثر يوقعها فيه اعداءها، وقدرتها وهو الأهم على تقديم النموذج الحضاري في النهضة الشاملة، وما سرعة العودة للبنية الخدماتية والمؤسساتية في المناطق المحررة إلا واحدة من الصور التي أذهلت اعداء سوريا قبل اصدقاءها لتلك القدرة في إعادة البناء والنهوض من جديد ، وهذا ما يرى فيه أعداء سوريا مدعاة للقلق ومحطة للخوف من النهوض السريع للدولة السورية، وإعادة الوجه الحضاري لسوريا عالميا، وهذا ما يضع سوريا في دائرة الاستهداف المستمر والمتعدد الوسائل والطرق قائما تجاه الدولة السورية .

ومن موانع إخماد العدائية تجاه سوريا قدرتها على صناعة تحالفات فرضتها سنوات الحرب عليها لمجابهة هذه الهجمة الشرسة عليها، فجاء الحضور الايراني وحضور حزب الله على وجه الخصوص ضمن هذه التحالفات التي مثلت محطة قلق ومبعث خوف كبيرين لدى العدو الصهيوني، والذي بات يرى في سوريا مصدر خطر استراتيجي كبير لأمنه القومي ولمصيريه الوجودي، لاستطاعتها حشد قوى تحالفية تقف عند التماس مع هذا العدو الصهيوني، والذي اعترف بخطورة هذه الخطوة التي أقدمت عليها الدولة السورية، مما ضاعف من حالة العدوانية لدى الصهاينة، وهذا ما يدعونا للتأكيد بتورط العدو الاسرائيلي في كل مراحل الاستهداف على سوريا خاصة ما جاء منها مؤخرا على صعيد العدوان الاقتصادي والعقوبات وغيره، وأن كل ما يجري على سوريا هو بإيعاز صهيوني إن لم يكن بتخطيط واشراف من كيان العدو الاسرائيلي، وهذا يدعونا لتصويب الحديث لاحقا عن موقع الدولة السورية  في خارطة الصراع مع العدو الاسرائيلي .

ولما بدأت سوريا بالتعافي، لتبدأ من جديد مرحلة النهوض الأقوى والذي سينبني عليه العديد من المتغيرات التي لن تتوقف عند حدود المنطقة بل تتعداه لتلامس المتغيرات العالمية ضمن هذه المنظومة الدولية المتآكلة، والمتحللة قيميا وأخلاقيا وإنسانيا.

سيظل قدر سوريا أن تواجه وقدرها أن تصمد في وجه كل التحديات والاستهدافات، وبتنا ندرك في هذه المرحلة أننا أمام عدو لا يدخر جهدا في صناعة خططه التآمرية، وسيظل ينتقل من خطة لأخرى، وهو في نفس اللحظة إنما يتنقل من فشل لآخر، ومن هزيمة لأخرى، وكما هو قدر سوريا المواجهة سيظل أيضا قدرها أن تنتصر وتنتصر وتنتصر .

الدكتورة حسناء نصر الحسين/ باحثة سورية في العلاقات الدولية

اضافة تعليق