حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

الحرب والسياسة في العين الأمريكية

أكثر المنظرين السياسيين والعسكريين وعلى رأسهم المنظر العسكري والسياسي الألماني “كارل فون كلاوز فيتر” يقولون إن الحرب هي ممارسة السياسة بوسائل أخرى، ومع ذلك معظم جيوش العالم تجد في هذه العلاقة أنها غاية في التعقيد، رغم إجماع هذه الجيوش على فكرة أنها لا تمارس السياسة، لكن هذه الفكرة تحتاج إلى إعادة نظر طالما أن السياسي والعسكري تجمعهما صيغة واحدة، والسؤال الذي يطرح نفسه على صعيد الواقع هو: أليست المجموعات الإسلاموية” القاعدة، داعش، جبهة النصرة…” وكذلك الدول التي تدعم هذه المجموعات مثل أمريكا، وتركيا، وقطر، إضافة إلى الكيان الصهيوني هم من يتبنون الرأي الذي يربط الحرب بالسياسة، وهل نبالغ إذا قلنا إن حروب هؤلاء على مختلف أنواعها ضد سورية وباقي محور المقاومة، تتفق وخصوصية العلاقة بين الحرب بالسياسة؟.

 

إن أول ما علينا فهمه هو أن هدف حروب اليوم ليس الجيوش النظامية، كما كان الحال فيما سبق من الحروب، وإنما الهدف هو تدمير المجتمعات، وهذا يعني أن الحرب الأمريكية الصهيونية الرجعية المعلنة على سورية تستهدف المجتمع العربي السوري بكل مستوياته، كما يعني أن الطرف الأمريكي قد أباح لنفسه استخدام القوة لكل ما تصل إليه يده من أدوات ووسائل، بما في ذلك الوسائل السياسية والاقتصادية، وحتى الثقافية، ناهيك عن العنف الإرهابي المستخدم للإطاحة بالبنية الوطنية السورية وتدميرها. لا بل ذهب إلى أكثر من ذلك حيث أعدّ إستراتيجية إمبريالية صهيونية رجعية إرهابية غايتها تفكيك سورية، وتحطيم قدراتها على الصمود والمقاومة، الأمر الذي يستدعي تركيز التخطيط المقاوم في إطاره الشامل على كل مستوى، ليكون أكثر جاهزية في مواجهة التهديدات الأمريكية الصهيونية المستجدة. ولما كانت الحرب ممارسة سياسة بوسائل أخرى، فلابد لأي عمل عسكري من أن يقف وراءه هدف سياسي، وفي حال تحقّق هذا الهدف السياسي لا يصبح للحرب معنى.

 

هذه المقولة يمكن أن نعطيها بعدها في إطار التطورات القائمة بين محور المقاومة الممتد من إيران إلى فلسطين عبر سورية ولبنان من جهة، وبين الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” والسعودية ومن يغرد في سربهم من جهة أخرى، ولنأخذ على سبيل المثال الفترة الممتدة بين استشهاد قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس.. وحتى يومنا هذا، كونها فترة تخلّلتها أحداث متسارعة كان أبرزها الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، والهجوم الإيراني على قاعدتين أمريكيتين في العراق، أحداث يرى فيها البعض أن محور المقاومة قد خرج خاسراً منها، ليس باستشهاد سليماني والمهندس فحسب، وإنما من خلال اتهام محور المقاومة بأنه فقد مصداقيته وإلى درجة اتهامه بالضعف، لكن حقيقة الأمر هي غير ذلك حيث المكاسب السياسية لمحور المقاومة على الساحتين الإقليمية والدولية، والدليل ما قبل استشهاد سليماني كان الداخل الإيراني يعجّ بالمظاهرات المحتجة على الأوضاع السياسية والاقتصادية، كما كان هناك مظاهرات في العراق تطالب بالحدّ من التدخل الإيراني، وعلى المستوى الدولي ارتفعت حدة الانتقادات الدولية فيما يخصّ الالتزامات الإيرانية تجاه الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته الدول الكبرى 5+1 لكن إيران استطاعت سياسياً أن تخفّف من ضغوط هذه الأزمات وأن تحقق مكاسب سياسية في سياق الأحداث التي بدأت بمناوشات مخطط لها مع الولايات المتحدة الأمريكية على الأراضي العراقية تضمنت انخفاض حدة الانتقادات الداخلية في إطار منطق لا صوت يعلو على صوت الأزمة الخارجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولقد ظهر هذا الأمر جلياً في حجم التعبئة الداخلية لتشييع جنازة الشهيدين قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، والتي تطورت إلى المطالبة بإنهاء الوجود الأمريكي في المنطقة، زد على هذه المكاسب تخفيض إيران لتعهداتها الدولية التي نصّ عليها الاتفاق النووي، ولاسيما فيما يخصّ عدد أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمها لتخصيب اليورانيوم. باختصار حقّقت إيران وباقي محور المقاومة مكاسب سياسية ضخمة دون الحاجة إلى الحرب، مكاسب يضاف إليها توجيه رسالة من قبل محور المقاومة إلى أمريكا ومن يدور في فلكها، مفادها بأن هذا المحور يملك من القدرات العسكرية ما يمكنه من الوصول إلى القواعد الأمريكية في المنطقة وتدميرها، وفي طليعتها القاعدة الصهيونية المتمثلة بالكيان الصهيوني في المنطقة.

صحيفة البعث

 

في هذا الإطار يمكن الحديث عن علاقة الحرب بالسياسة في إطار التحالفات السياسية الدولية، أكانت هذه التحالفات فيما يخصّ محور المقاومة، أم كانت فيما يخصّ التحالف الأمريكي الصهيوني الرجعي، حديث لا يبدأ من تفاصيل الخطابات السياسية والعسكرية التي نسمعها اليوم على كل صعيد،  وإنما يبدأ من العودة إلى القرار الاستراتيجي الذي اتخذ في ثمانينيات القرن المنصرم، وهو قرار قيام محور المقاومة المتخذ من قبل سورية، إيران، لبنان، وفلسطين، قرار رسم نهجه على مستوى المنطقة والعالم على أنه أكبر من قرار، إنه خيار يفتح احتمالات ويقفل أخرى، وهو يتجه بأهدافه نحو تحرير فلسطين، إنه الطريق لكل متحمس في مواجهة الاحتلال الصهيوني. إلا أن هذا الخيار لا يعني أنه في حتمية لا فرار منها، وإنما يعني أن الخيارات متوفرة ومفتوحة وهي لا تنتهي، لأن الضرورة تتطلب الوعي عند الحاجة وبحسب الظروف، إنه الترتيب الذي يقوم على الدمج في الممارسة بين العمل العسكري المقاوم والعمل السياسي المقاوم، بعد أن سقطت عملية الفصل بينهما بشكل نهائي. وإذا كان السؤال: لماذا سقطت عملية الفصل هذه؟ فإن الجواب على لسان الدبلوماسي الأمريكي “جورج كنان” وهو أن ظاهرة الحرب كممارسة سياسية تقوم على توظيف كافة الوسائل العلنية والسرية سياسية كانت أم اقتصادية أم إعلامية للوصول إلى مصطلح واحد، وهو أن هذه الحرب غير مقيدة اليوم مهما كانت المصطلحات المستخدمة فيها “حرب ناعمة، حرب الجيل الجديد، حرب هجينة، حرب غير متماثلة، حرب غير نظامية..”، كل ذلك يدلّ على أن الغرض الوحيد لهذه التسميات جميعاً بحسب “كنان” هو التركيز على العناصر العسكرية وغير العسكرية القابلة لهذا الشكل من أشكال الحروب، وهذا لا يعني لصنّاع القرار الأمريكي سوى افتعال الصراعات لإضعاف الخصوم وزعزعة الاستقرار بغاية تعطيل قدرات الخصم، وخلق عواقب أكثر دراماتيكية بعيداً عن اللجوء إلى حرب شاملة.

 

غالباً ما تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية في حروبها العسكرية والسياسية على قوات وأدوات غير محدّدة المصدر والجهة، كما تعتمد على ساحة المعلومات في خوض هذه الحروب وإبرازها، وحتى تتمكن أي دولة من مواجهة أمريكا في مرحلة مبكرة لابد لها من أن تستثمر مواردها الكبرى بما فيها البشرية في هذه المواجهة، كي تتحاشى القوة العسكرية والنفوذ الاقتصادي والإعلامي باعتبارهما أحد أهم الأسلحة الأمريكية في حروبها، هذا إضافة إلى منعها من استغلال الأزمات العرقية والدينية لإحداث انشقاقات حادة داخل الدولة الخصم لإشغالها في حرب طويلة زمنياً إذا ما قيست بالحروب التقليدية، الأمر الذي يستدعي من الدولة المستهدفة أمريكياً إتباع نهج فعّال لردع التهديدات ومنعها من التشكل، وهذا لا يكون إلا من خلال التخطيط والتنسيق المشترك مع الدول المتضررة والمستهدفة من قبل الأمريكي الذي لا همّ له سوى العدوان، والتخريب، والإكراه، ومحاولة زعزعة الاستقرار خدمة لمصالحه، كما لا يكون إلا من خلال تحالفات دولية فعّالة في مواجهة العنجهية الأمريكية.

 

بقي أن نقول إن “برناند ديرودي” الأمريكي في كتابه “الحرب والسياسة” كان على حق عندما وضع سياسة بلاده في قفص الاتهام، ونصّب نفسه مدعياً عاماً، ومحققاً عسكرياً، ومحامي دفاع، كي يحاكم الفكر السياسي الأمريكي، الذي ورط أمريكا بحروب متعددة كانت بغنى عنها، حفاظاً على سمعتها الدولية، لكن سياسة ترامب الخرقاء واللا أخلاقية أسقطت دعوى “برناند” هذه، لتبقى أمريكا على عنجهيتها وبلطجيتها، جاعلة من العالم عدواً لها وفي مواجهتها.

اضافة تعليق