حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

الرئيس الأسد لفصلية “طهران لدراسات السياسة الخارجية”: الولايات المتحدة تفشل في كل مكان لكنها تنجح في خلق المشاكل

أكد السيد الرئيس بشار الأسد وجود حالة وعي عام في سورية بعد مرور أكثر من خمس سنوات على الأزمة بأن ما يجري فيها هو “قضية مؤامرة من الخارج وعملية ضرب للوطن وتصب في مصلحة الإرهابيين وليس لها علاقة بالإصلاح أو بأي شيء آخر” مشيرا إلى أن المطلوب غربيا وأمريكيا من سورية كان أن تذهب دولة وتأتي مكانها دولة عميلة لكي تقدم سورية لقمة سائغة للغرب لذلك دعموا الإرهابيين فيها لتحقيق هذا الهدف.

 

وأوضح الرئيس الأسد في مقابلة مع فصلية “طهران لدراسات السياسة الخارجية” الإيرانية أن ما سيحصل في سورية سيؤثر في الخريطة السياسية العالمية وأنه إذا انتصرت سورية فستخرج أكثر قوة وستنتشر أكثر فكرة الاستقلالية بين الدول وهذا ما يخشاه الغرب مؤكدا أن ضرب الإرهاب في سورية سيحمي شعوب العالم من تأثيراته.

 

ولفت الرئيس الأسد إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تخوض الحروب بهدف ترسيخ مشروعها بالسيطرة والهيمنة على العالم عبر ضرب كل الدول التي تعارضه كما فعلوا مع إيران منذ طرح موضوع الملف النووي عام 2003، ومع سورية، مع ما يحصل فيها مشددا على أن الولايات المتحدة تفشل في كل مكان منذ الحرب العالمية الثانية ولكنها تنجح في خلق المشاكل وتدمير الدول.

 

وأشار إلى أن العلاقة بين نظام آل سعود وكيان الاحتلال الإسرائيلي موجودة منذ أكثر من خمسة عقود وأن الحالة اليوم باتت عملية نقل العلاقة من السر إلى العلن موضحاً أن السعودية وتركيا دول تابعة لأمريكا وهي تعطى الأوامر وتنفذها.

 

وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:

 

الصحفي:

 

فخامة الرئيس، أولاً أشكركم على الفرصة التي أعطيتمونا إياها، أشكر فخامتكم وفريق العمل وأتمنى أن تكون هذه مبادرة خير في الأمل المشترك الذي يساهم في فهم أو إدراك النخب الإيرانية للواقع الذي يجري في سورية وحقيقة المواجهة بين جبهة المقاومة وجبهة الاستسلام.

 

السؤال الأول:

 

فخامة الرئيس، ما أحتفظ به في ذاكرتي من التاريخ الحديث أرى فيه أن رئيسين من الرؤساء الأمريكيين كان لهما موقف سلبي من سورية، فالرئيس بوش صنّف سورية في محور الشر، وأعلن أن أي دولة في العالم “إما أن تكون معنا أو تكون ضدنا”، وكان هذا القول يعني أنه يصنف سورية في خانة أعدائه، والرئيس أوباما أيضاً، ومنذ بداية الأحداث في سورية دائماً كان يصرّ على تغيير الأوضاع في سورية وعلى أن تكون هناك حكومة أخرى في هذا البلد، وكانوا يقولون بصراحة بأن الرئيس بشار الأسد ينبغي عليه أن يتنازل عن السلطة، لم تكن هذه مجرد أقوال ومواقف تنقل وإنما مقاربة شاملة في موضوع المنطقة، ووظفوا كل الآليات ومنها العسكرية وكل طاقات دبلوماسيتهم، خلقوا ما سمي بأصدقاء سورية، الحرب النفسية التي شنوها حول ما قيل عن استخدام السلاح الكيميائي، ومؤخراً أيضاً عاد هذا الموضوع إلى التداول، كانت حرباً شاملة، وأيضاً وظفوا كل المتحالفين معهم في المنطقة، ورغم كل ذلك وقفتم باستراتيجية محددة أمام كل هذه التحديات ونجحتم في هذا الصمود، واليوم يمكن القول بأن أمريكا ومعها جميع حلفائها قد خسروا في الملف السوري، كانوا يحاولون بمدة قصيرة جداً أن يغيروا نظام الحكم في سورية، اليوم الرئيس أوباما يترك البيت الأبيض بينما الرئيس بشار الأسد ما زال في السلطة، ما هي أبعاد الاستراتيجية التي استخدمتموها للتغلب على هذه المحنة؟

 

الرئيس الأسد:

 

في البداية أنا أرحب بكم في سورية، وأنا سعيد جداً أن أكون أول مسؤول يتحدث في العدد الأول لمجلتكم وأن أتمكن من خلال هذا اللقاء من مخاطبة أشقائنا الإيرانيين الذين وقفوا مع سورية في الخندق الأول في معارك عديدة منذ أيام الثورة الإسلامية كما وقفت سورية مع إيران في الخندق الأول عندما حاولوا التآمر عليها من خلال الحرب الظالمة عندما حركوا صدام ضد إيران، وها هي اليوم إيران تقف مع سورية، أرحب بكم مجدداً، طبعاً ما تقوله صحيح تماماً، بالنسبة للموقف الأمريكي، أولاً هو موقف يعتمد على الهيمنة على دول العالم وخاصة بعد أن استمتعت أمريكا بالسيطرة على هذا العالم منذ انهيار الاتحاد السوفييتي حتى اليوم، وما تخوضه اليوم من حروب هدفها ترسيخ مشروعها بالسيطرة عبر ضرب كل من يقف في وجه هذه الهيمنة خاصة مع صعود قوى أخرى عالمياً وبداية نوع من التوازن في هذا العالم، هذا شيء ترفضه أمريكا، من الطبيعي أن تكون إحدى أدوات هذا المشروع الأمريكي هي ضرب الدول التي تعارض هذا المشروع كما فعلوا مع إيران منذ طرح موضوع الملف النووي في عام 2003، وموضوع سورية وما يحصل فيها اليوم، أنتم ذكرتم نقطة مهمة، طبعاً بالإضافة إلى الأداة الإرهابية، كانت هناك أدوات نفسية واقتصادية، كل شيء، لكن كانت هناك الأداة الأهم وهي الأداة الإعلامية وهي التي حاولت أن تأخذ الكل في سورية وربما في المنطقة، ليس فقط المسؤولين وإنما أيضاً الشعوب باتجاه التحليل الخاطئ أو فهم الأمور بشكل مغلوط، وهذا الشيء تعرضنا له في سورية بشكل كبير فكانت في البداية المعركة الإعلامية والنفسية هي تصوير أن المشكلة الأولى في سورية هي مشكلة رئيس وبالتالي هو شخص، والشخص لا يجب أن يكون أهم من الوطن، وهذا صحيح، وأن المشكلة الثانية هي الحكومة وتبديل النظام السياسي، لم يتحدثوا عن الوطن، والذي في الحقيقة هو معركتهم، لقد كانت معركتهم الأساسية هي ضرب الوطن، ضرب المجتمع السوري بعقيدته، بهويته، بتوجهاته التاريخية، هذا هو الهدف الأساسي، وأول شيء ساعدنا في مواجهة هذا الموضوع وقبل كل شيء هو الإيمان بالله، أن يكون لديك إيمان بالله وهذا شيء طبيعي، ولكن يجب أن يكون لديك أيضاً إيمان بالشعب وبقدراته، وبالنسبة لنا على المستوى السياسي أول شيء فهمناه أن المعركة الوهمية هي الرئيس والمعركة الوهمية هي الدولة، أما المعركة الحقيقية فهي الوطن، فلم نعط بالاً للعناوين التي طرحوها، لم نغرق بها، عرفنا أن المعركة هي معركة وطن، واعتمدنا على الحوار داخل سورية من أجل أن يدرك بعض السوريين ــ الذين لم تكن الصورة واضحة أمامهم في البداية ــ ما هي حقيقة المشكلة.

 

السؤال الثاني:

 

المشكلة لم تكن على المستوى النظري فحسب وإنما حرب ميدانية شاملة، في هذه الحرب الميدانية ما هي العناصر التي وظفتموها للوصول إلى هذه المرحلة؟

 

الرئيس الأسد:

 

القاعدة الأساسية في أي حرب هي الوعي الشعبي، لذلك أنا أقول بدأنا بالحوار السوري- السوري لأننا كنا نعرف أنه إذا امتلكت سورية وعياً شعبياً فستربح، إذا لم يكن هناك وعي فسنخسر، وسنخسر مباشرة، لذلك صمدنا خمس سنوات، فالعامل الأول هو الوعي الشعبي، وهذا الوعي الشعبي هو الذي غذى العناصر الأخرى، كان العامل الأساسي في تحريك الاقتصاد الذي يعد جزءاً من المعركة كما ساهم في تحريك المثقفين باتجاه الرأي والفكرة الصحيحة التي تواجه الأفكار اليومية التي تبثها 700 محطة فضائية أو وسيلة إعلامية والتي كانت تعمل ضد سورية من كل العالم العربي وغير العربي، النقطة الثانية أيضاً وهي بنفس الأهمية، أن هذا الوعي كان الداعم الأساسي للجيش العربي السوري، كيف يقاتل الجيش الإرهابيين من دون وعي شعبي؟ لا يمكن، من يمد الجيش بالدعم المعنوي وبالدعم البشري؟ هذه هي العناصر الأساسية التي جعلت سورية تصمد، وهناك طبعاً جانب آخر هو الاعتماد على الأصدقاء وفي مقدمتهم إيران، دور إيران كان أساسياً في صمود سورية والكل يعرف هذا الشيء، ومشاكل إيران الآن لم تعد تتعلق بالملف النووي وإنما بوقوفها إلى جانب سورية وإلى جانب الحق، فهذه العناصر، الوعي الشعبي وبالتالي دعم الجيش، اتخاذ إجراءات اقتصادية، دعم الأشقاء، هي العناصر التي اعتمدنا عليها في صمودنا.

 

السؤال الثالث:

 

حينما تتحدث فخامتكم عن موضوع تثقيف وتوعية الشعب، لا بد أن يكون هناك قبول شعبي لإدارة الحكم في البلاد، ما هي الموءشرات على ذلك؟ ولماذا الشعب يؤيد ويشارك في هذه المعركة رغم كل المشاكل التي يتحملها إن كانت اقتصادية أو ما يترتب على الحرب من مشاكل لهذا الشعب؟

 

الرئيس الأسد:

 

أولاً، ما هي أسباب هذا الوعي الشعبي؟ أحد أسباب هذا الوعي هو التجربة التاريخية في هذه المنطقة، هي كمنطقتكم، منطقة فيها الكثير من المؤامرات والاحتلالات والمقاومة، فهذه الحالة هي التي خلقت وعياً شعبياً بالنسبة لنا في سورية، هذا الوعي هو الذي جعل الناس تميز بين أخطاء في الأداء على مستوى المؤسسات، وبين تقصير له علاقة بالظروف القاهرة أي “الأزمة”، طبعاً يوجد تقصير، يوجد تقصير قبل الأزمة، وما زال موجوداً الآن، ولكن قبل الأزمة لم تكن هناك مبررات، اليوم هناك مبررات ولو جزئية، لا نقول كلية، إذاً فوعي الشعب هو في دقة التمييز بين قضية لها علاقة بتقصير مسؤول وبين شيء له علاقة بعمل الإرهابيين على سبيل المثال، أو الحصار المفروض من الخارج، هذا أولاً، ثانياً، لو أردنا أن نتحدث عما هي المؤشرات التي تجعلنا نقول بأن هناك رضا، الآن لا توجد لديك إحصائيات دقيقة، لأننا قد لا نستطيع أن نصل لبعض المناطق والتي فيها ربما مئات الآلاف من السوريين أو أكثر، وهناك سوريون خرجوا خارج سورية لا نستطيع أن نتواصل معهم الآن، فإذاً لا توجد لديك إحصائيات ولا توجد لديك مؤشرات دقيقة، ولكن هناك مؤشر مهم جداً أهم من كل هذه الإحصائيات، لو لم يكن هناك رضا على الدولة بشكل عام وخاصة بالتوجه الوطني وبالتوجه السياسي لما صمدت الدولة خمس سنوات، هي صمدت لأن هناك دعما، كيف ترجم المواطن هذا الدعم؟ أولاً، بالصمود الاقتصادي، عندما تتجول في سورية وترى بأن كل صاحب عمل يذهب إلى عمله، وصاحب المنشأة يقوم بإدارتها، فهذا نوع من الصمود، صاحب الرأي، أستاذ الجامعة يذهب إلى جامعته ويعطي الدروس، هو مصمم على مواجهة التخلف والجهل بالعلم، هذا صمود، هناك جانب أهم ومؤشر عملي أكثر، هو كيف حمى الشعب السوري الدستور والدولة في مواقع عدة، من خلال الانتخابات، حجم المشاركة في الانتخابات التي جرت وهي انتخابات برلمانية هذا العام ورئاسية في عام 2014 غير مسبوق على مدى تاريخ سورية منذ الاستقلال، لماذا خرج هذا المواطن لينتخب، ليس بالضرورة لأنه متفق سياسياً مع الدولة أو لا، ولكن هو يعرف بأنه بهذه الطريقة يواجه الإرهاب ويدافع عن الدولة التي تعبر عنه، حتى لو اختلف معها سياسياً، بعد الحرب ربما يكون لديه رأي آخر، ولكن خلال الحرب هو وقف مع الدولة، هذه المؤشرات هي مؤشرات الرضا الوحيدة الموجودة وهي أقوى برأيي من الإحصائيات، لأن هذا مؤشر عملي، لم نرسل للمواطن استمارة، هو خرج من منزله وانتخب، والإحصائيات تدل على مشاركة واسعة، جزء منها اللاجئون خارج سورية، وهؤلاء لا أحد يحركهم، تحركوا من تلقاء أنفسهم وذهبوا بكثافة في عدد من الدول وخاصة في لبنان للمشاركة، هذا أحد أهم المؤشرات، أما لماذا قاموا بذلك فأعتقد بأن الآن، اليوم خاصة بعد أكثر من خمس سنوات هناك حالة وعي عامة في سورية بأن القضية هي قضية مؤامرة من الخارج، وهي عملية ضرب للوطن، وتصب بالنهاية في مصلحة الإرهابيين وليس لها علاقة بالإصلاح ولا بأي شيء آخر.

 

السؤال الرابع:

 

حينما تتحدثون عن دور الشعب السوري ووعيه فهذا يدل على أنكم تقدمون رسالة بأن الحالة في سورية تختلف عما جرى مثلاً في مصر أو في تونس، ما هي هذه الفوارق بين الحالتين والدلالات على ذلك؟

 

الرئيس الأسد:

 

في هذه المنطقة نحن متشابهون من الناحية الثقافية والاجتماعية، هذا بديهي، ربما لدينا المطالب نفسها في الأحوال العادية، ولكن الفرق الأساسي أن الحكومات التي كانت موجودة في تونس وفي مصر هي حكومات علاقاتها جيدة مع الغرب، وهناك رضا بل ودعم لها من الغرب، أما العلاقة قبل الأزمة مع الدولة السورية فكانت مختلفة، حتى في أحسن الأحوال، حتى عندما كان البعض يتحدث عن علاقة جيدة مع الغرب ولا أقول ممتازة، لم تكن كذلك، في الواقع كانت علاقة ظاهرياً جيدة فقط، الغرب كان يسعى لعلاقة مع سورية من أجل الوصول إلى أهداف معينة ولكن في الحقيقة لم يكن الغرب أبداً راضياً عن سورية، وفي أحسن الأحوال كان هناك دائماً حصار اقتصادي وتقني على بلدنا، وقبل الأزمة كان مطلوب من سورية أن تقوم بأدوار معينة ضد المقاومة أو ضد إيران، ولكن عندما رفضت سورية القيام بهذا الشيء..

 

مداخلة:

 

ماذا كانت المطالب الغربية؟

 

الرئيس الأسد:

 

بشكل أساسي أن نبتعد عن محور المقاومة وأن نتوقف عن دعم الشعب الفلسطيني وأن نسير في مبادرات السلام التي تهدف إلى التفريط بالحقوق، بحقوق الشعب الفلسطيني.

 

السؤال الخامس:

 

إذاً هل يمكن أن نقول بأن مشكلة الغرب معكم ليست في القضايا الداخلية وما يتم الادعاء به؟

 

الرئيس الأسد:

 

أبداً، لو كانت لديهم مشكلة مع القضايا الداخلية، لماذا لم يحرضوا ضد السعودية مثلاً، هم حرضوا ضد سورية، نحن لا نقارن بالسعودية بكل المجالات، الحضارية والسياسية والديمقراطية وغيرها، لماذا وقفوا ضدكم في إيران وأنتم من أهم الدول في منطقة الشرق الأوسط في موضوع الحريات والديمقراطيات وتركوا باقي الدول، القضية سياسية، فإذاً الفرق بيننا وبين هذه الدول هو أن المطلوب كان أن تذهب حكومة في مصر وفي تونس لكي تأتي محلها حكومة يرضى عنها الشعب ويبقى الرضا الخارجي عنها قائماً، أما في سورية فكان المطلوب مختلفاً، كان المطلوب أن تذهب دولة وتأتي مكانها دولة عميلة لكي تقدم سورية لقمة سائغة للغرب، فالمبدأ مختلف، لذلك هم دعموا الإرهابيين في سورية لهذا الهدف، بينما لم يدعموا الإرهابيين في تلك الدول ووقفوا معها، لأن هذه الدول مرضي عنها من قبل الغرب، كان المطلوب أيضاً في آخر مرحلة، خاصة ما بين 2008 و2011 من سورية عبر الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي كلفه جورج بوش في ذلك الوقت بالقيام بهذه المهمة، أن أقوم بإقناع القيادة الإيرانية بالطرح الغربي في ذلك الوقت، المتمثل بأن تقوم إيران بتسليم كل ما لديها من مخزون من المواد المخصبة إلى الغرب بدون أي ضمانات، كان هذا هو المطلوب، وطبعاً رفضنا هذا الشيء لأن هذا الكلام غير منطقي، فأي دولة يمكن أن تقبل ذلك دون ضمانات؟ الغرب سيأخذ هذه المواد المخصبة ولن يعيدها لإيران، نحن نعرف وأنتم تعرفون ذلك، هذه كانت المهمة الأساسية ما بين 2008 و 2011، في مراحل سابقة مثلاً في 2002 كان المطلوب منا أن نصدق على مبادرة الملك عبد الله بشكلها الأول، عندما قال التطبيع مقابل السلام، من دون أي مقابل، ماذا عن الحقوق؟ ولكن تحديداً في تلك المرحلة التي سبقت الأزمة كانت المشكلة الأساسية للغرب هي إيران، وكان المطلوب من سورية بشكل أساسي، باعتبارها الدولة الأقرب إلى إيران، أن تقوم بإقناع القيادة الإيرانية بما يريده الغرب.

 

السؤال السادس:

 

هل يمكننا أن نقول إن ما تواجهه سورية اليوم من تحديات إنما هو ثمن الموقف الذي اتخذته في مواجهة الإدارة الأمريكية والغرب؟

 

الرئيس الأسد:

 

طبعاً، لأن أمريكا اليوم في حالة انحسار، القوة الأمريكية والمصداقية الأمريكية في حالة انحسار، على الأقل منذ الأزمة الاقتصادية في عام 2008، بالمقابل هناك صعود لكتل أخرى، وهناك بداية توازن، لذلك إذا أرادت أمريكا أن تضرب هذا التوازن فلا بد أن تضرب الدول المستقلة كإيران سورية، كوريا الديمقراطية.. وأي دولة تقول لا .. لاحظ ما يحصل في البرازيل أو في فنزويلا.. هي عملية منسقة في إطار واحد هو إعادة الهيمنة الأمريكية.. لذلك ما يحصل في سورية هو محاولة للمحافظة على ما تبقى من الهيمنة الأمريكية والغربية على العالم.

 

السؤال السابع..

 

ولكن الإدارة الأمريكية فشلت في جميع الملفات في المنطقة.. في العراق.. أفغانستان.. سورية.. اليمن.. كيف يمكن لإدارة فاشلة في هذه الملفات أن ترسم آفاق المستقبل…

 

الرئيس الأسد..

 

هي فشلت في لبنان عام 1982 ..فشلت في فيتنام قبله.. هي تفشل في كل مكان.. منذ الحرب العالمية الثانية.. الولايات المتحدة تنجح في شيء واحد هو خلق المشاكل وتدمير الدول.. لا شيء أكثر من ذلك.. دمرت العراق.. ما الذي تحقق بعدها… الحالة الطائفية من خلقها… من خلق “داعش”… من خلق “جبهة النصرة”… من خلق القاعدة في أفغانستان… الحقيقة في أفغانستان فشلوا كما في كل مكان.. المشكلة هنا أننا لا نتعامل مع إدارة تبني سياساتها على العقل.. الإدارة الأمريكية تبني سياساتها فقط على المصالح الانتخابية.. هي إدارة تخضع للوبيات الأمريكية.. لوبي السلاح ولوبي النفط.. إذا كانت مصلحة هذه اللوبيات هي في الذهاب إلى حرب ومقتل الملايين من أبناء الشرق الأوسط.. أو مقتل الآلاف.. الأمريكيون لا يوجد لديهم مشكلة.. المهم أن تتحقق مصالح هذه المجموعات الضيقة.. هذه حقيقة الإدارة الأمريكية.. فلذلك لا نستطيع أن نحلل السياسة الأمريكية بناء على العقل.. هي تخسر وتقع في نفس الفخ في كل مرة.. حتى أوباما قال بأنه لن يخوض حروباً.. وماذا فعل خلال ولايته… خاض كل الحروب.. ولكن بشكل آخر.. لم يرسل جندياً أمريكياً بشكل مباشر.. ولكن أعطى تغطية كاملة للحروب.. أرسل صواريخ.. غطى السياسات الغربية.. كلف الأوروبيين بالقيام بها.. فالحقيقة أن كل الإدارات الأمريكية تشبه بعضها.. ولن تتغير هذه السياسات في المدى القريب.. حتى يكون هناك توازن حقيقي في العالم.. هذه هي قناعتي.

 

السؤال الثامن:

 

هذا الفشل الأمريكي، هل يعود إلى نقص في الرؤية الاستراتيجية والتحديات الاستراتيجية، هل المشكلة في الاستراتيجية الأمريكية، أم في الأداء الميداني والعملياتي؟

 

الرئيس الأسد:

 

في أمريكا لديهم مشكلة في النظام السياسي أولاً، هل هذا النظام السياسي يسمح لأفضل الناس، وخاصة العاقلين بالوصول إلى قيادة الدولة، أم يسمح لأشخاص انتهازيين؟ لو عدنا للرؤساء الأمريكيين، على الأقل خلال الثلاثين عاماً الماضية، منذ ريغان على الأقل، لا أريد عن أتحدث عما سبق ذلك، هل هناك أحد منهم نستطيع أن نصفه بأنه رجل دولة حقيقي، لا، فإذاً هذا جانب من المشكلة، الجانب الآخر، هو ما ذكرته قبل قليل أن اللوبيات تتحكم بالانتخابات، وبالتالي أي رئيس إذا كان سيفكر أولاً بمصلحته الانتخابية قبل أن يفكر بمصلحة أمريكا، فسيقوم بمغامرة ضد مصلحة أمريكا، ولو تساءلنا عن كل ما قامت به الولايات المتحدة منذ أربعة عقود على الأقل، هل حقق أي مما قامت به تلك الإدارات مصلحة أمريكا؟ أعتقد بأن الجواب البديهي لا، هو ضد مصلحة الولايات المتحدة، لذلك أقول بأن النظام السياسي ودور اللوبيات في أمريكا، طبعاً جزء من النظام السياسي هو المؤسسات الإعلامية أيضاً، هي جزء من اللوبي، كل هذا هو الذي يجعل الولايات المتحدة تنتقل من فشل إلى آخر من دون أن تتعلم الدروس، القضية ليست ميدانية، هم قادرون على القيام بنفس التغيير بأساليب أخرى أكثر عقلانية وذكاء، أحياناً بالثقافة تستطيع أن تغير، بالتعليم، بالمصداقية، بالعمل السياسي تغير أكثر من العمل العسكري، ولكن عندما تقوم بهذا التغيير عبر السياسة فإن معامل السلاح لن تعمل، فعملها مرتبط بحجم الحروب التي تشن.

 

السؤال التاسع:

 

عندي سؤال قد يرتبط بإجابتكم الأخيرة، سورية تحتل مكانة متميزة في التاريخ وفي الجغرافيا، الحرب في سورية ينبغي تقييمها تقييماً مخالفاً كلياً للحرب التي جرت مثلاً في ليبيا أو في الأماكن الأخرى، الحالة السورية استطاعت أن تقسم كل الطاقات المتواجدة على صعيد العالم إلى قسمين، ويمكن القول بأن روسيا اليوم تمارس حق الفيتو أو حق النقض في الأمم المتحدة، واستطاعت أن تفتح جبهة جديدة مقابل الجبهة الأمريكية، والكل في العالم إما يتابع بدقة ما يجري في سورية، أو يشارك عملياً في هذه الحرب الجارية، لماذا نرى أن هذا التعقيد في الأوضاع في سورية أدى إلى أن كل الأنظار في العالم تتجه بشكل أو بآخر إلى هذه الحالة، أو ترى لها مصالح في هذه الحالة؟

 

الرئيس الأسد:

 

هذا كلام صحيح، بالرغم من أن سورية عملياً، حتى بالمقاييس العربية، هي دولة صغيرة، ليست دولة كبيرة، وهي ليست من الدول الغنية اقتصادياً، مع ذلك هي لعبت هذا الدور لأسباب اجتماعية وتاريخية وسياسية. بالنسبة للأسباب التاريخية، فكما تعرفون سورية دولة لديها حضارة عريقة، هناك أدوار تاريخية تلعبها الدول هي التي تعطيها أدواراً في الحاضر وفي المستقبل، هذا الدور التاريخي يصبح أقوى من أي شيء، ويؤثر هذا الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في هذه الدولة على كثير من الدول التي تحيط بها وخاصة أن سورية في العالم العربي يمكن أن تشبه بأنها خط التقاء الصفائح التكتونية تحت الأرض بالنسبة للزلازل لأنها أكثر دولة بين الدول العربية بشكل عام التي يحصل فيها التقاء وتنوع للطوائف والأديان والمذاهب المختلفة وهي تعيش مع بعضها بسلام منذ قرون، فأي خلل في هذه الصفيحة سيخلق زلزالاً تصل نتائجه أو أصداؤه أو ارتجاجاته إلى الدول الأخرى، هذا من جانب، من جانب آخر لأن سورية تميزت خلال أكثر من أربعة أو خمسة عقود بمواقفها المستقلة، في وقت سارت فيه كثير من الدول العربية مع الغرب واستسلمت له، البعض منهم يعتقد بوجود الله سبحانه تعالى والغرب، والبعض يعتقد فقط بوجود الغرب، بأنه الحاكم والآمر الناهي، وحتى الخالق ربما، فسورية تميزت باستقلاليتها منذ ذلك الوقت، وبالتالي أصبح أي تعديل على الوضع السوري سواء كان سياسياً أو اجتماعياً سيؤثر على المنطقة كلها، من جانب آخر، كما ذكرت منذ قليل، بما أن هدف الولايات المتحدة كان تغيير الدولة في سورية لكي تأتي بدولة عميلة لها، وذلك يعني أن هذا الشيء سيطبق على دول أخرى، وبالتالي فإن الدول التي تسعى لإبقاء الاستقلالية في العالم سواء كانت دولاً كبرى أو إقليمية، عرفت بأن هذا التغيير في سورية سوف يؤثر عليها وليس على بلدنا أو العالم العربي فقط، وكما قلت قبل قليل لو أن إيران سلمت بموضوع الملف النووي للإرادة الغربية، فكل الدول الأخرى كانت ستدفع الثمن، لذلك نحن نعيش في منطقة تتأثر ببعضها البعض، فإيران دولة مهمة، وما يحصل لديكم سوف يؤثر علينا وبالعكس، هذا هو السبب الذي جعل العالم ينقسم وهو أن ما سيحصل في سورية سيكون له أثر على الخريطة السياسية العالمية.

 

السؤال العاشر:

 

 كما تفضلتم الكثير من القوى تستغل هذه الحالة، وجود المتطرفين والقوى التكفيرية في المنطقة وفي سورية، إن الجبهة الوحيدة التي تواجه هذه التيارات المتطرفة والتكفيرية هي جبهة المقاومة وسورية بقيادتكم، واليوم حتى الدول الأوروبية أصبحت تؤمن بأن وجود نظام حكم بقيادة الدكتور بشار الأسد في سورية، إنما يساعد على مواجهة حركات التطرف والإرهاب في المنطقة، أي أن القوتين الرئيسيتين اللتين تتنافسان على الأرض السورية هما أولاً القوى الإرهابية وثانياً الدولة ونظام الحكم الموجود في سورية، في حال تحقيق النصر أو الهزيمة لأي من هذين الطرفين، أي القوى الإرهابية أو الدولة في سورية، ما هي تأثيرات كل منهما على الداخل السوري، على الإقليم وعلى العالم؟

 

الرئيس الأسد:

 

هذا سؤال مهم جداً وهو أحد أسباب استمرار الحرب، أولاً على المستوى السوري، وهو ما يهمنا بالدرجة الأولى، بكل تأكيد في أي حرب إذا انتصرت فستخرج أقوى، ليس على المستوى السياسي بالدرجة الأولى، وإنما على المستوى الاجتماعي والوطني وهذا شيء يخشاه الغرب كثيراً، وهو يعرف ويقول هذا الكلام، إذا انتصرت سورية، فستكون أقوى، وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة للغرب، هذا من جانب، ولكن من جانب آخر هناك نقطة مهمة، لو تحدثنا عن محور المقاومة الذي تشكل سورية وإيران أحد الأجنحة الأساسية له، والبعض يفهم بأن محور المقاومة هو فقط مقاومة “اسرائيل”، لا، محور المقاومة هو مفهوم شامل،  نحن نقاوم من أجل الحفاظ على سيادتنا، نحن نقاوم من أجل الحفاظ على سلامة شعبنا وبلداننا ومصالحنا، هذا المحور هو محور أهم ما فيه، من وجهة نظري، أنه محور مستقل، إذا انتصرت سورية فستنتشر أكثر فكرة الاستقلالية بين الدول، وسيعرفون بأن المشيئة الغربية هي ليست مشيئة إلهية، تستطيع أن تهزم هذه المشيئة ولو بثمن كبير، وعندها سيكون هناك انتشار لحالة الاستقلالية، سيقوى المحور المستقل على مستوى العالم، وبالتالي إمكانية أكبر لتطبيق قرارات مجلس الأمن المختلفة، إمكانية لتطبيق ميثاق الأمم المتحدة، للالتزام بالقوانين والشرعية الدولية وحقوق الانسان والمبادئ الإنسانية، عندها يمكن أن يطبق كل ذلك، وعندها يتراجع مبدأ “القوي يأكل الضعيف”، هذا من التأثيرات المهمة جداً على الخارج، سيضاف إليها التأثيرات الإقليمية، طبعاً عندما يضعف السيد سيضعف العملاء في منطقتنا ودورهم السلبي، فستكون المنطقة أكثر استقلالاً، هناك تأثير آخر إيجابي، بأن معركة الإرهاب الآن في العالم مركزها سورية، ومعظم الإرهابيين يأتون إلى سورية، فضرب هذا الإرهاب سيحمي كل الشعوب من تأثيراته، ليس فقط في المنطقة وإنما في العالم، لذلك أنا أعتقد أن لهذه المعركة تأثيرات كبيرة إذا تمكنا من الانتصار، وإذا هزمت سورية فستكون النتائج معاكسة، ستكون هناك هيمنة غربية كاملة، لن يكون هناك أي دولة قادرة على أن تقول أنا صاحبة حق، عندها سيكون الكل عبيداً.

 

السؤال الحادي عشر:

 

سيادة الرئيس، كثيراً ما نسمع بأن الحرب الجارية في المنطقة وسورية في جزء منها هي حرب طائفية، أولاً هل تقبلون بهذا الكلام، هل تؤمنون بأن الحرب، حرب طائفية؟

 

الرئيس الأسد:

 

هذا كلام منافٍ للواقع تماماً، لأنها لو كانت حرباً طائفية، كان يجب أن تبدأ منذ ظهور الطوائف قبل أربعة عشر قرناً، وليس اليوم، متى ظهرت الحرب الطائفية في منطقتنا؟ ظهرت مع انتصار الثورة الإيرانية، لأنه كان المطلوب من المؤسسة الوهابية التي تديرها السعودية أن تواجه الثورة الإيرانية والتي كانت محط تطلعات الشعوب في المنطقة عندما نجحت، هم شعروا بالخوف من هذا التطلع الشعبي، فوجه الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، السعودية أن تتحرك بالإطار الطائفي، عندها فجأة أصبحت إيران شيعية، والسؤال هنا ماذا كانت إيران قبل الثورة؟ ماذا كان الشاه؟ لماذا ظهرت تلك التحركات فجأة، فإذاً هذا الموضوع مرتبط تماماً بالثورة الإيرانية وبدأ يمتد واستخدم كأداة من الأدوات في سورية، الآن لو أردنا أن نقول بأن هذا الشيء حقيقي لكانت الاضطرابات في سورية كافية لكي تخلق هذه الحرب الطائفية، الحقيقة أن ما حصل هو العكس، اليوم وضع التجانس بين الطوائف في سورية أفضل مما كان عليه قبل الأزمة، وليس فقط أفضل من بداية الأزمة، بل أفضل مما كان قبل الأزمة، لأن الأزمة خلقت وعياً أكبر، لو كانت هناك فعلاً مشكلة طائفية لكانت انفجرت وكنا سنرى بأن الخطوط التي تفصل بين المتحاربين، هذا إذا تحدثنا بهذه اللغة في سورية، هي خطوط طائفية، ولما رأينا دولة وإرهابيين، كنا سنرى طوائف وقوميات تتقاتل، وهذا الشيء لم يظهر كما هو واضح، وبالتالي فإن حقيقة المشكلة ليست كذلك، هناك اختلافات بالعقائد، ولو لم يكونوا مختلفين فلماذا خلقوا طوائف مختلفة؟ إذاً هذا شيء طبيعي، هذه هي طبيعة العالم، طبيعة البشرية، هذه ليست مشكلة، هذا فكر، هذه مذاهب فكرية، أما المشكلة الطائفية التي تتحدث عنها فهي مشكلة سياسية بعنوان طائفي.

 

السؤال الثاني عشر:

 

أحد الألغاز التي قد لا يمكن فهمها بسهولة في الحالة السورية هي ما يرتبط بالجيش السوري، يقال أن ثمانين بالمئة من الجيش السوري هم من أهل السنة، لكن السلطة في سورية هي بيد الطائفة العلوية، تصرف الكثير من الأموال لتخريب الأفكار السائدة لدى عناصر الجيش العربي السوري، الكثير من المحاولات تتم للتغلغل في صفوف الجيش العربي السوري بما يؤدي إلى انهيار هذا الجيش، قد يتصور البعض بأن هناك أرضية لهذا الانهيار في الجيش السوري، على الأقل بسبب العامل المذهبي الذي ذكرناه، بالإضافة إلى استمرار الحرب لمدة أكثر من خمس سنوات واستنزاف الطاقة عند هذا الجيش، وأيضاً يمكن القول بأنه لا يوجد أفق حل لهذه الحرب في المستقبل القريب، رغم كل ذلك نشاهد بأنه أولاً ، استطاع الجيش العربي السوري أن يصمد في الميدان بالإضافة إلى ذلك استطاعت سورية أن تجهز قوةً رديفة قوامها 100 إلى 150 ألفاً من القوى الشعبية، ما هي الاستراتيجية أو الآليات التي استخدمتموها لتصلوا إلى هذه المرحلة من الصمود لدى هذه القوى العسكرية؟

 

الرئيس الأسد:

 

نحن لم نصل إليها، هي موجودة، والنقطة الأساسية في هذا الموضوع هي ما ذكرته، هل هناك طائفية أم لا توجد طائفية؟ هذا هو المعيار، لذلك كانت الحرب الإعلامية منذ البداية في الخارج.

 

مداخلة:

 

حتى وإن لم تكن طائفية فإن الطائفيين يشتغلون عليها، يوجهونها باتجاه طائفي؟

 

الرئيس الأسد:

 

هذا صحيح، لذلك لو كان الميزان مال لمصلحتهم، بمعنى أن الجيش حسب رأيهم هو جيش يتكون من طائفة، ويدافع عن طائفة فإن هذا الجيش كان لينهار بعد عدة أشهر، لا يمكن أن يصمد أكثر، ولكن ما حصل كان العكس تماماً، هذا من جانب، من جانب آخر، دائماً نحن في سورية نواجه الدعاية بالوقائع، هناك حقائق، أنت تستطيع أن تذهب وتطلع على تركيبة الدولة السورية وترى بأن الكل مشارك فيها، تذهب إلى الجيش السوري وترى بأن فيه من كل الطوائف، والأهم من ذلك تذهب إلى سجلات شهداء الجيش الذين سقطوا في المعارك، وتلاحظ بأن هناك نسباً عالية من كل الطوائف، يضاف إلى ذلك أن المؤيدين للدولة سياسياً هم من كل الطوائف المعارضين للدولة سياسياً هم من كل الطوائف، ولو نظرت إلى المعارضة الخارجية العميلة التي تعمل لمصلحة أمريكا أو تركيا أو السعودية، أيضاً فيها من كل الطوائف، فالقضية قضية من هو وطني ومن هو غير وطني، لذلك أقول إن هذه كانت استراتيجيتهم، وهي محاولة خلق حالة طائفية، لكن طبيعة الناس هي الغالبة، نحن لا نستطيع في سورية كدولة أن نخلق حالة لا طائفية إن كانت موجودة، لكن بات واضحاً أنها غير موجودة أصلاً لدى الناس، بالمقابل نحن واجهنا هذه الدعاية الطائفية بعمل وطني، العمل الوطني الذي يشمل الجميع، الوطن للجميع، لا يوجد وطن بطائفة، لا يمكن أن يكون هناك وطن لطائفة أو لمجموعة، إما أن يكون الوطن للجميع أو لا يكون هناك وطن، هذا ما اعتمدنا عليه في الناحية العسكرية وفي الناحية الخدمية، وبكل الاتجاهات، عندها تأكدنا من أن المواطن يشعر بأن هذه الدولة دولته بالرغم من وجود فساد هنا أو تقصير هناك، هذا موجود، ولكن هذا ليس له علاقة بالموضوع الطائفي.

 

السؤال الثالث عشر:

 

المحاولات لاستنزاف هذا الجيش وعدم وجود أفق معين ألم يتعب الجيش والقوات العسكرية، ليس فقط الجانب الطائفي؟

 

الرئيس الأسد:

 

أي حرب تضعف الدولة مهما كانت هذه الدولة، وتضعف الاقتصاد، وتضعف المجتمع، وكل شيء، هذا بديهي، ولكن المشكلة تكمن عندما يسلم المجتمع بأنه لن يربح الحرب، لدينا في سورية إيمان بأننا أمام خيارين، إما أن نفقد الوطن أو أن ننتصر، فلذلك بعد أكثر من خمس سنوات بالرغم من التعب الذي تتحدث عنه، وهو موجود وكلنا نعيشه، ولكن هناك تصميم، ولذلك هناك نتائج، هناك إيمان أيضاً بأنه عندما يقف معك صديق وشقيق من دول أخرى وفي مقدمتها إيران هذا أيضاً يعطي أملاً للناس بأننا لسنا وحيدين، غير صحيح أن كل العالم ليست لديه مبادئ، الغرب ليست لديه مبادئ ولكن معظم العالم لديه مبادئ، هناك دول تجرؤ على الدعم، وهناك دول لا تجرؤ وهي معك، فإذاً كل هذه الأمور خففت من تعب الشعب السوري، جانب آخر كما قلت في البداية، ان جزءاً من التعب الأساسي هو الحصار، الحصار الاقتصادي قد يكون متعباً أكثر من الحرب العسكرية، وهنا كان دور إيران، عندما فهمت إيران هذه النقطة وخاصة سماحة الإمام الخامنئي، وجه بأن يكون هناك دعم اقتصادي لسورية، وهذا خفف من المعاناة، والموقف السياسي خفف من المعاناة، والدعم العسكري كذلك، فإذاً صحيح، هناك تعب ولكن هناك أفق للانتصار بعوامل داخلية وبعوامل خارجية.

 

السؤال الرابع عشر:

 

أشرتم إلى وجود حالات فساد في المجتمع السوري، طبعا هذا الفساد يترك ثقله وأعباءه على الشعب السوري وبدأتم في أكثر من مرة عملية الإصلاحات في البلد، لكن هذه الحركات الإصلاحية لم تحقق أهدافها، ما هو برنامجكم وخطتكم لتحقيق هذه الإصلاحات لرفع هذا العبء عن كاهل المواطن السوري الذي هو العنصر الأساسي في هذه المعركة؟

 

الرئيس الأسد:

 

إن عملية الإصلاح هي كالبناء، تخيل أنك تبني بناء، وبنفس الوقت هناك من يخرب هذا البناء، لا يمكن أن تبني البناء بهذه الطريقة، لا بد أولاً من أن تزيل التخريب، فعملية الإصلاح في سورية، بكل تأكيد تراجعت بسبب الحرب الحالية ووجود الإرهاب، لا يمكن أن تكون هناك عملية إصلاح اقتصادي واجتماعي وسياسي إن لم يكن هناك استقرار، الاستقرار هو الأساس لأي عملية تقدم في أي دولة ولأي عمليات تغيير إيجابي، مهما تكن هذه العملية، واسعة، ضيقة، بعيدة المدى، قصيرة المدى، أنت بحاجة للاستقرار، نحن منذ أكثر من خمس سنوات نعيش حالة لا استقرار، الأولوية بالنسبة لنا في أي خطة، هي أولاً ضرب الإرهاب والقضاء عليه، لا يمكن بوجود الإرهاب أن نحقق شيئاً، هذا أولا، ثانياً، عندما تتمكن من السير في عملية ضرب الإرهاب خطوات كبيرة تبدأ بنفس الوقت عملية حوار سياسي اجتماعي، وأنا أعتبرها عملية واحدة لأن الحوار ليس حواراً فقط بين أحزاب أو بين قوى سياسية، عملية إصلاح الوطن هي عملية شاملة، يجب أن يشارك فيها كل مواطن سوري، هذا يشمل القوى السياسية والقوى الاجتماعية، وعندها يمكن الحديث عن النظام السياسي المطلوب لسورية المستقبلية، عن عملية تحديد ما هي السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، عندها ندخل في حوار من هذا النوع، هناك جانب آخر سيواجهنا بعد الأزمة مرتبط بالحرب وبالإرهاب وهو الجيل الشاب الذي تكون وعيه الوطني والسياسي خلال هذه الحرب، لا شك بأن هذه الحرب تركت تأثيرات سلبية سيئة جداً لدى الكثير من السوريين خاصة الشباب والصغار، البعض منهم في مناطق الإرهابيين، البعض منهم رسخت في عقله الإيديولوجيا الوهابية المتطرفة، وإيديولوجيا الإرهاب والقتل ورفض الآخر وغيرها،  هذا لا يمكن أن يتقبل التطور، لا يمكن أن يتقبل الديمقراطية، لا يمكن أن يقبل الآخر، الآخر بالنسبة له ليس ابن الوطن، أي أنه ليست لديه حالة وطنية بالأساس، هناك آخرون تكونت لديهم مشاكل نفسية كثيرة أثرت على نظرتهم للوطن وعلى إيمانهم به، لا بد من التعامل مع هذه الحالات إذا أردنا أن نحقق عملية تطوير.

 

السؤال الخامس عشر:

 

الأزمة الحالية في سورية لا يمكن إنهاؤها إلا عبر طريقين، الحل العسكري أي أن يتحقق النصر لأحد الطرفين، أو الحوار السياسي، الحوار السياسي بحاجة إلى الاعتراف بأطراف يمكن التحاور معها، الإدارة الأمريكية تقول باستثناء “داعش” و”النصرة” بقية الفصائل المتواجدة هي من الفصائل التي يمكن أن يتم التحاور معها، لكن أيضاً بالطرف الآخر هناك من يقول بأن الكثير من هذه الفصائل متورطة في العمليات الإرهابية، ما هو تعريفكم للجهات التي يمكن أن تكون مشاركة في الوطن، في مستقبل سورية؟

 

الرئيس الأسد:

 

أولاً، هذه الجهة التي نتحدث عنها يجب أن يكون لديها إيمان بالوطن، وأول مبدأ للإيمان بالوطن ألا تكون هذه الجهات تابعة لجهات أخرى، ألا تكون مرتزقة أو عميلة، ألا تكون داعمة للإرهاب أو تحمل السلاح وتقتل وتدمر، هذا ليس عملاً سياسياً وليس عملاً وطنياً، عندما تتوفر هذه الظروف التي لم تتوفر حتى هذه اللحظة يمكن الحديث عن حوار مع هذه الجهات، حوار سياسي، لكن الحقيقة أن الحوار السياسي يحل مشكلة سياسية، والمشكلة ليست سياسية حتى هذه اللحظة لأننا قمنا بعملية إصلاح بحسب مطالب المعارضة أو من سموا أنفسهم معارضة في البدايات، غيرنا الدستور والقوانين وكل شيء ولم يتغير شيء، بالعكس كلما غيرنا كلما ذهبوا أكثر باتجاه الإرهاب، من الواضح أن القضايا السياسية كانت مجرد عنوان لأنهم كانوا يتوقعون بأننا سنرفض، وإذا رفضنا فسيقولون، “لأن الحكومة السورية رفضت الإصلاح فإن الاضطرابات بدأت”، ولكن هذا الشي لم يحصل.

 

السؤال السادس عشر:

 

إذا سمحتم، لدي سؤالان، السؤال الأول، إن هناك ازدواجية في السياسة الأمريكية، من جهة تطرح الحل السياسي والحوار، ومن جهة أخرى تعارض أي عملية حوار أو مصالحة، طبعاً في الجانب الأول المشروع الذي يتابعه دي مستورا، في الجانب الثاني مثلاً ما حصل في داريا وعارضته الإدارة الأمريكية، والسؤال الثاني، إذا قبلت بعض المجموعات المسلحة بأن تترك السلاح هل يمكن التحاور معها؟

 

الرئيس الأسد:

 

بالنسبة للنقطة الأولى، موضوع الازدواجية، هذا هو أسلوب الولايات المتحدة، تستخدم أداتين، أداة إرهابية لكي تصل لأهدافها وتخضع الدولة السورية، وأداة سياسية تفتح لنا الباب لنقدم التنازلات من خلالها، أي أن الهدف واحد، فإذا فشلت بالإرهاب تنجح بالسياسة، وإذا لم تقدم تنازلات سياسياً فسيقومون بتصعيد العمل الإرهابي وهذا ما يحصل، كلما فشلت مفاوضات جنيف في أن تأخذ تنازلات وطنية من الدولة السورية لصالح الإرهابيين والدول التي تقف خلفهم يزداد الإرهاب في سورية، يقولون لك أنت عليك أن تختار، كمن يخيرك هل تريد أن نعدمك بالرصاص أم شنقاً، النتيجة واحدة، هذا هو أسلوب الولايات المتحدة، لذلك هذا ليس مستغرباً، دائماً كان هذا هو التكتيك الأمريكي، وعندما نقول ازدواجية معايير، لا، الولايات المتحدة ليست لديها ازدواجية وإنما ثلاثية ورباعية وخماسية وهي مستعدة لألف معيار إذا كان لديها ألف حالة حسب ما يخدم مصلحتها ومصلحة المسؤولين فيها، بالنسبة للسؤال الثاني حول إمكانية الحوار مع المجموعات المسلحة التي تتخلى عن السلاح، الجواب هو، نعم، وهذا ما قمنا بتطبيقه، “كل من قرر أن يلقي السلاح قدمنا له عفواً كاملا، فنحن كنا مرنين لدرجة أننا تجاوزنا حتى القانون، القانون لا يعفي الإرهابيين من أعمالهم، ومع ذلك، ولمصلحة الشعب ولحقن الدماء قمنا بتقديم العفو.

 

مداخلة:

 

ليس على مستوى أفراد، على مستوى تنظيمات؟

 

الرئيس الأسد:

 

لا، على مستوى أفراد، نحن لا نتحاور مع منظمات إرهابية وإنما نتحاور مع أفراد.

 

السؤال السابع عشر:

 

البعض يعتقد بأن المنطقة التي نعيش فيها، وأنتم جزء من هذه المنطقة وسيادتكم تديرون هذا الجزء، هناك اتجاهان أو عمليتان تدوران في هذه المنطقة، الاتجاه الأول يتحدث عن الصراعات والحروب الداخلية وما يحصل في الملفات المختلفة، السعودية وموقفها ضد سورية، سورية وموقفها ضد السعودية، اليمن ، البحرين، هذه الملفات في المنطقة، وطبعاً أمريكا تغذي هذا الصراع، لإنتاج أو إعادة إنتاج صراع آخر من قلب أو من رحم هذا الصراع، من خلال ذلك تحاول الإدارة الأمريكية إضعاف المجموعة العربية والإسلامية التي تواجه بثقافتها وحضارتها الحضارة الغربية، تريد أن تضعف هذه القوة، بتصوركم ما يجري اليوم من صراعات على الأرض، ونحن نخوض هذه الصراعات، إلى أي مدى تحقق المصلحة الأمريكية؟ إن كان في الاتجاه الأول أي الصراعات الداخلية أو في الاتجاه الثاني الذي هو صراع حضاري حضاري، أي حضارة الأمة الإسلامية والعربية مقابل الحضارة الغربية؟ كم نحن نساهم عملياً شئنا أم أبينا في هذا؟

 

الرئيس الأسد:

 

في العصر الحالي لا أؤمن بشيء اسمه صراع حضارات، نحن نعيش حضارة واحدة اسمها الحضارة الإنسانية، هناك صراع تيارات، ربما تكون تيارات ثقافية تتصارع بالثقافة لنقل، هذا طبيعي، لكن الصراع الذي نعيشه هو صراع سياسي أعطي عنوان صراع الحضارات، لأنني كما قلت الاختلافات الدينية والطائفية، هي ذات منشأ سياسي جديد وليس قديماً، وهنا تكمن اللعبة الغربية، لا شك أنه لدينا، لنقل، سواء في المنطقة العربية أو على مستوى العالم الإسلامي أو ربما العالم الثالث مشكلة كبيرة اسمها صراع الهوية، أنتم الآن في إيران لديكم انتماء إسلامي ولديكم انتماء قومي فارسي، نحن لدينا انتماء إسلامي ولدينا انتماء عربي، هذا طبيعي، ما يفعله الغرب هنا هو أنه يأتي ليقوي أحد عناصر الهوية لأن هذه الهوية غير مستقرة في فكرنا كمجتمعات، وبما أن هناك صراعات ضعيفة موجودة يأتي الغرب ليقويها ويقول بأن الانتماء الإسلامي يتعارض مع الانتماء الفارسي أو أن الانتماء الإسلامي يتعارض مع الانتماء العربي فتخلق صراعات بين من ينتمي أكثر إلى هذا التيار أو لذاك ويخلق مشكلة في الداخل، لماذا الغرب يخلق هذه المشكلة؟ لأن أحد مشاكل الغرب في الهيمنة هي الانتماء، عندما تكون أنت منتمياً لعقيدة ما، هذه العقيدة تجعلك ترى الأمور بشكل واضح وتجعلك راسخاً وصلباً، عندما تفقد الهوية، لا تنتمي لا للهوية الإسلامية ولا للهوية الفارسية عن ماذا ستدافع؟ عندما يأتي الغرب ويطلب منك شيئاً ستقول ليست مشكلة، لماذا أدافع عن حقوقي؟ ليست لدي حقوق، الحقوق مرتبطة بالهوية، والوطن مرتبط بالهوية، فإذاً اللعبة الغربية عبر القرن الماضي حتى اليوم هي ضرب الانتماء، لذلك خلقوا صراعاً سنياً – شيعياً، والآن يخلقون صراعاً عربياً – كردياً، كما خلقوه في العراق، وخلقوا في مرحلة من المراحل صراعاً إسلامياً – مسيحياً، على الأقل خلقوا الخوف لدى طرف من الطرف الآخر، عندما يخلقون هذه الصراعات تصبح هذه الهويات صغيرة ضيقة متنافرة ليس لها تأثير، وعندها يصلون لهدفهم، لذلك جواباً على سؤالك، كل صراع نقوم به نحن في هذه المنطقة يخدم الهدف الغربي بشكل مباشر، نحن يجب أن نتصارع فكرياً، الصراع الفكري حق طبيعي بأي موضوع، الخلاف بين المذاهب شيء طبيعي، لكن الخلاف لا يعني ألا نتحاور، يجب أن نستمر بالحوار، وكل طرف يحاول أن يقنع الآخرين فكرياً بوجهة نظره، هذا شيء جيد.

 

السؤال الثامن عشر:

 

هل ترون أن أمامنا فرصة، ونحن نخوض هذه الصراعات ولا ينبغي لنا أن نخوضها، ألا نمكن الإدارة الأمريكية والإسرائيلية من تحقيق أهدافها من خلال هذا الصراع؟

 

الرئيس الأسد:

 

نعم، عندما نعرف أهمية قبول الآخر، أنا أختلف معك ولكن أقبلك، وأنت تختلف معي ولكن تقبلني، أنا وأنت أبناء حضارة واحدة، أمة واحدة، دولة واحدة، وطن واحد، عندما نقتنع بهذا الشيء لا توجد مشكلة، ولكن عندما أعتقد بأنك خطأ مطلق، وأنا صح مطلق ويجب أن ألغيك فعندها سندخل في الصراع، عدا عن ذلك الحوار والاختلاف هو شيء غني وجيد وجميل، أنتم لديكم هذا الغنى في إيران ونحن لدينا هذا الغنى في سورية، وهذا ما يخلق أفقاً واسعاً للتفكير وبالتالي للتطوير، أنتم قطعتم خطوات كبيرة في المجال العلمي، في مقدمتها المجال النووي، لو لم يكن لديك انفتاح عقلي في الوطن لما كنت قادراً على الوصول إلى هذا الانفتاح العلمي لأن الأمرين مرتبطان، فلذلك أنا أقول إن الاختلاف جيد ولكن عندما يصل إلى درجة الإلغاء فهو مدمر.

 

السؤال التاسع عشر:

 

لنبتعد قليلاً عن الحوار السابق، السعودية، بغض النظر عن ذريعتها، دخلت الأراضي اليمنية ومنذ سبعة عشر شهراً هي تقاتل، ولم تحقق أهدافها المعلنة، بالعكس نرى أن الحدود الجنوبية للسعودية تواجه خطراً اليوم، الآن وبالإضافة إلى الحرب ضد اليمن والتورط في البحرين، وبالإضافة إلى المواجهة مع إيران دخلت السعودية عملية التطبيع وإقامة العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، هذا الأداء السعودي ما هي تأثيراته على العالم الإسلامي والعربي؟

 

الرئيس الأسد:

 

لا يؤثر كثيراً لأنه ليس تغيراً حقيقياً وإنما هو تغير ظاهري، هو نقل الحالة من السر إلى العلن، هذه العلاقة موجودة منذ أكثر من خمسة عقود، منذ ما قبل عام “1967” ، نحن نقول ان أول نتائج التعاون السعودي الإسرائيلي هي حرب “67”  بهدف ضرب عبد الناصر في ذلك الوقت، ليس بالضرورة أن يكون اللقاء مباشراً ربما كان عبر الأمريكيين، أو ربما كان بطلب من جانب الأمريكيين، أو بطلب سعودي من الأمريكيين، هناك أساليب مختلفة لهذا التواصل ولكن عملياً التنسيق كان بهذا الإطار، المبادرة العربية في عام 2002 التي طرحها الملك عبد الله كانت في هذا الإطار، مبادرة الملك فهد في عام 1981 التي كانت تهدف لإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان كانت في هذا الإطار، فالفرق هو أن هذا العمل الذي لم يكن معلناً، أو ربما كان غير مباشر، أصبح معلناً ومباشراً الآن.

 

مداخلة:

 

أن يكون الموقف معلناً أو غير معلن هذا يرتبط بالنخب، فالرأي العام أن السعودية دولة لها مكانتها، تضم الحرمين الشريفين، قبلة المسلمين وهي تدير هذه الأماكن، لذلك الرأي العام الإسلامي يواجه حقيقة أن دولة إسلامية مهمة كالسعودية اليوم تطبع العلاقات مع “إسرائيل” وهذا يترك آثاره على الرأي العام؟

 

مداخلة من الرئيس الأسد:

 

ولكن بالنسبة لي أعتقد أن هذا الأمر إيجابي لأن هذه النخب التي كانت تعتقد بأن آل سعود يخدمون الحرمين، هم في الحقيقة لا يخدمون الحرمين، هم يخدمون الحرم الأكبر بالنسبة لهم وهي أمريكا، هذه هي الحقيقة، هذا ما يقومون به، الشريحة الأوسع من المسلمين في العالم كما قلتَ يجب أن تعرف هذه الحقيقة، ما الذي غير السعودية فجأة؟ هل كانت هي ضد إسرائيل وأصبحت مع “إسرائيل”؟ لا، هي كانت خجولة من الإعلان عن هذا الشيء وأعلنته ، وأول سؤال يجب أن تسأله هذه الشريحة الواسعة من المسلمين إذا كان آل سعود يقومون بحماية الحرمين، ماذا سيفعلون تجاه المسجد الأقصى؟  كيف يقيمون علاقات مع “إسرائيل” التي كانت ولا تزال تسعى في كل مناسبة لتخريب بنية المسجد الأقصى من أجل أن ينهار ويقومون بإعمار الهيكل، ماذا ستفعل السعودية؟ لم تفعل شيئاً، لم تصدر موقفاً واحداً ضد “إسرائيل”، هذه هي الحقيقة، هذا الجانب الإيجابي الذي يجب أن ننظر إليه لأن هذه الشريحة ستعرف الحقيقة، صحيح أنها في البداية سوف تصاب بصدمة، ولكن يجب أن نتحدث معهم بشكل صريح ونقول لهم ما رأيتموه هو قديم وليس جديداً ولكن أنتم لم تكونوا تعرفونه، ربما النخب السياسية تعرف هذه الحقائق ولكن الآن أتى دوركم لكي تعرفوا الحقيقة، لو قلناها من قبل، لو اتهمناهم سيقولون لا هذا الكلام غير صحيح، هؤلاء خدمة الحرمين وغير ذلك من الكلام العاطفي، ولكن الآن لم يعد بالإمكان إنكار هذا.

 

السؤال العشرون..

 

يقال بأن البعض ورطوا السعودية في حرب اليمن لاستنزاف قدراتها… كما أن الإدارة الأمريكية قامت بشكل ذكي بتوريط تركيا في جرابلس لاستنزاف قدرتها.. من الناحية الاستراتيجية ما قامت به تركيا موءخراً في جرابلس ما هي تأثيراته على مستقبل المنطقة وسورية…

 

الرئيس الأسد..

 

أولاً.. كلمة توريط ربما لا تكون دقيقة هنا لسبب بسيط.. أنا أورط شخصاً لديه نوع من العقل والاستقلالية.. أقنعه بشيء ما.. وأعطيه معطيات خاطئة.. عندها يتورط.. لكن في هذه الحالة.. عندما نتحدث عن السعودية وعن تركيا.. فهذه الدول هي دول تابعة لأمريكا.. هي تعطى الأوامر وتنفذها.. وإذا أتينا للحالة التركية.. فأردوغان يريد منذ عدة سنوات أن يتدخل في سورية ولكن لم يسمح له.. والآن دخل إلى جرابلس لأنه سمح له..

 

مداخلة..

 

لماذا سمح له…

 

الرئيس الأسد..

 

سمح له حسب ما أعتقد لأن الأمريكيين يحاولون دائماً تعقيد الأوضاع.. كلما تعقدت الأوضاع يصبح بإمكانهم أن يلعبوا على التناقضات.. أي أن التناقض التركي/الكردي سيوءدي إلى أن تتوجه تركيا إلى أمريكا لتشتكي على الأكراد.. والكردي سيشتكي على التركي لدى أمريكا لكي تعطيه الدعم.. وعندما يكون هناك خلاف كردي/عربي كلاهما سيذهب للأمريكي.. هذا هو المنطق الأمريكي.. فرق تسد.. كلما فرقوا الناس تمكنوا من اللعب على التناقضات كما يفعلون في منطقتنا.. فالآن دخول تركيا يعقد الوضع.. ولكن في النهاية تركيا هي لاعب أمريكي وبيدق من بيادق السياسة الأمريكية.. يلعب لمصلحتها وتحت أوامرها في الوقت والشكل الذي تريد.. وهو وسيلة إضافية ضمن وسائلها التي ستستعملها بما يخدم أجندتها حين اقتراب الحل النهائي للأزمة في سورية.

 

السؤال الحادي والعشرون..

 

لكن هناك من يقول بأن المحاولة الانقلابية الأخيرة كانت مدعومة من أمريكا.. وأمريكا حاولت من خلال قضية جرابلس أن تعطي امتيازاً لتركيا تعويضاً عنه…

 

الرئيس الأسد..

 

هذه تحليلات.. وليست هناك معطيات دقيقة.. ولكن بالمنطق الأمريكي هذا يحصل.. لأن أمريكا ليست لديها مبادئء.. هي تستخدم المبدأ الميكافيلي القائل بأنه يمكنني القيام بأي شيء من أجل أن أحقق ما أريد.. فلا يوجد شيء غريب.. هذا كلام غير مستبعد.. ولكن لا نستطيع أن نجزم بأنه صحيح أو غير صحيح.

 

السؤال الثاني والعشرون..

 

سمعت سيادة الرئيس في كلامكم أكثر من مرة بأنكم تدافعون عن القضية وعن الوطن وعن الهوية الوطنية.. في حين أن الدول المعارضة لكم وقادة هذه الدول.. أردوغان .. أوباما.. المسوءولين السعوديين لهم مشكلة شخصية مع شخصكم الكريم.. يحسدونكم على وجودكم وصمودكم في هذه الدولة.. لو غير هوءلاء موقفهم.. هل تتصورون بأنه سيكون بالإمكان أن تدخلوا معهم في عملية تفاوض بالنسبة لمستقبل سورية…

 

الرئيس الأسد..

 

بالنسبة لنا هدفنا الأول هو حقن الدماء السورية.. وبالتالي وتحت هذا العنوان فإن أي شيء يحقن هذه الدماء سنقوم به بغض النظر عن العواطف.. لا أستطيع أن أقول بغض النظر عن المبادئء لأن حقن الدماء هو مبدأ.. هذا هو المبدأ الأهم.. هو المبدأ الأكبر.. إن التعامل مع الإرهابي هو شيء غير جيد.. ولكن إذا كان التعامل مع الإرهابي يحقن دماء ويحقق المبدأ الأكبر.. لا بد أن تسير به.. هذا جانب.. الجانب الآخر أن التعامل معهم لا يعني أن نثق بهم.. هم أشخاص بلا أخلاق.. حتى لو جلسنا معهم ألف مرة فهم سيبقون في نظرنا مجرمين منافقين بلا أخلاق.. هذا شيء ثابت.. لكن بالعمل السياسي الهدف الأساسي لأي مسوءول أن يحقق مصلحة الشعب.. فعندما تكون هناك مصلحة للتعامل مع هذه الدول.. يجب أن نقوم بذلك .. هذا جانب.. الجانب الآخر.. علينا دائماً أن نميز بين الدول والشعوب.. الشعب التركي حقيقة لم يتخذ موقفاً عدوانياً تجاه سورية بالرغم من كل الأكاذيب التي طرحت عليه في الإعلام الموالي لأردوغان ولدول الخليج.. ونسمع من وقت لآخر مسوءولين وبرلمانيين وشخصيات شعبية تنتقد أردوغان وتهاجمه وتحمله مسوءولية الأزمة في سورية.. فإذاً عندما نلتقي مع مسوءول في دولة.. لا يعني بأننا نلتقي من أجل هذا المسوءول وإنما نلتقي معه لأنه القناة الطبيعية للقاء مع الشعب.. فنحن يجب أن نضع في هدفنا دائماً أن العلاقة السورية التركية يجب أن تكون علاقة شعبية بالدرجة الأولى.. المسوءولون يأتون ويذهبون.. أما العلاقات الشعبية فعلينا أن نحافظ عليها وألا نقع في خطأ أن ننقل العداوة بين الدول إلى عداوة بين الشعوب.

 

السؤال الثالث والعشرون..

 

أحد الفواتير التي تدفعها سورية هي دفاعها عن قضية فلسطين.. خلال السنوات الخمس من الحرب الجارية في سورية.. هل أثرت هذه الحرب على دعمكم لقضية فلسطين.. ودعمكم للمقاومة…

 

الرئيس الأسد..

 

على المستوى السياسي لا توءثر.. نحن ما زلنا  في نفس الموقع كما كنا قبل خمس سنوات.. ولكن لا نستطيع أن ننفي بأن تأثيرات الحرب والأخطاء التي وقع فيها عدد ممن يسمون أنفسهم فلسطينيين.. ووقوفهم مع الإرهابيين بدلاً من رد الجميل لسورية.. بالرغم من أن سورية وقفت معهم.. لا شك بأن هذه الأشياء توءثر في الحالة الشعبية التي تكون في غالبها حالة عاطفية.. وخاصة أن هذا الشعب.. هذا المواطن السوري دفع ثمناً كبيراً على مدى أجيال من أمنه ومن لقمة عيشه.. لأنه وقف مع أصحاب هذه القضية فيكون رد فعلهم عكس المتوقع بأنهم يقفون مع الإرهابيين ويدعمونهم ويحمل بعضهم السلاح في وجه المواطن السوري الذي ضحى من أجل القضية الفلسطينية بل ويقفون ليس فقط مع الإرهابيين بل مع المخطط الاسرائيلي ضد الشعب السوري.. كل هذا له تأثير.. ولكن أعتقد بأن هذه التأثيرات العاطفية هي تأثيرات موءقتة بسبب الضغط.. والحرب.. عندما تخرج من الأزمة تعود الناس لطبيعتها وتعود للتفكير بالطريقة الطبيعية والسليمة والأوسع أفقاً وخاصة أن هوءلاء الذين ذكرتهم وذكرت ما فعلوه لا يمثلون القضية الفلسطينية.. هم أفراد والقضية دائماً أكبر من الأفراد.. لذلك أنا لست قلقاً من هذا الموضوع.. أما على المستوى السياسي.. كما قلت نحن في نفس الموقف.

 

السوءال الرابع والعشرون..

 

ثلاثة أسئلة مختصرة وخاصة.. السوءال الأول.. هو أننا لاحظنا جميعاً أنكم في شهر رمضان قضيتم وقت الإفطار مع بعض الجنود في جبهات القتال وفي ظروف صعبة.. وفي مناطق كانت مستمرة فيها حالات القتال وتبادل إطلاق النار.. وأنتم رمز هذه البلاد.. وأي سوء يلحق بشخصكم إنما يؤثر على الحالة وعلى الدولة في سورية لماذا قمتم بذلك…

 

مداخلة من الرئيس الأسد.. لماذا ذهبت إلى العسكريين…

 

السؤال الخامس والعشرون..

 

نعم… ما هي العوامل المحفزة التي جعلتكم تخوضون هذه الأخطار أو تواجهونها…

 

الرئيس الأسد..

 

أولاً.. بالنسبة لي فهذا واجبي كرئيس جمهورية وكقائد عام للجيش والقوات المسلحة أن أكون قدر المستطاع بالخط الأمامي مع العسكريين.. ثانياً أنا أبقى معهم ربما في عدة جولات.. عدة ساعات.. ولكن هم يجلسون في هذه الأماكن لعدة أسابيع وأشهر.. فما أقوم به أقل بكثير مما يقومون به هم تجاه وطنهم.. هذا من جانب.. أما بالنسبة للأخطار.. فهذا الموضوع يطرح معي بشكل مستمر.. وأنا أقول دائماً نحن نوءمن بالقضاء والقدر.. هذا شيء بديهي.. فعندما ستأتي الساعة.. ستأتي الساعة.. لكن الأهم من ذلك.. أنا في هذا الموضوع أتعلم من العسكريين.. أنا قمت بعدد من الجولات.. ولكن في تلك الجولة التي تحدثت عنها وأنا أتحدث مع العسكري الذي يمسك البندقية ويقف على خط النار والإرهابي على بعد أقل من مئة متر فقلت له لماذا لا تضع الخوذة… فقال لي بكل عفوية.. الحامي هو الله.. هناك جانب آخر.. عندما تحدثنا في البداية عن الحرب كان لهذه الحرب النفسية عدة عناصر وأهداف.. ولكن أول هدف هو أن يزرعوا في قلوبنا الخوف.. وأنا أريد أن أرسل رسالة لهوءلاء دائماً.. في كل زيارة.. بأنكم لا في اليوم الأول ولا اليوم بعد أكثر من خمس سنوات تمكنتم من زرع الخوف ولا للحظة واحدة ولن نخاف..

 

مداخلة..

 

لماذا لا تخافون…

 

الرئيس الأسد..

 

كيف يمكن لصاحب قضية عادلة أن يخاف من إرهابي ومرتزق… هذا غير منطقي.. هو الذي يجب أن يخاف لأنه هو العميل وهو من يقاتل من أجل الأموال.. أنا أقاتل من أجل الوطن.. فأنا ثقتي أكبر.. أنا يقف معي الشعب.. هو من يقف معه… هو يقتل الشعب.. لذلك الشعب لا يقف معه.. فكيف أخاف.. عندما يكون الشعب معك فلا تخف.. وفي الوقت نفسه عندما يكون الله معك لا تخف.. فلو كان الله يريد لهذا البلد أن ينهار لانهار.. بعد خمس سنوات لم ينهر.. بالمنطق الاقتصادي لا يمكن لبلد في مثل هذا النوع من الحرب أن يصمد أكثر من خمس سنوات.. في منطق الحسابات يصمد عاماً.. يصمد عامين.. خمس سنوات غير منطقي.. انكسرت كل الأسس الاقتصادية والنفسية والمنطقية.. لذلك الغرب حتى الآن يحلل ولا يصل إلى نتيجة.. لا يعرف ما الذي يحصل.. هنا أقول ان هناك أشياء إلهية دائماً.

 

السؤال السادس والعشرون..

 

بعيداً عن الإعلام وعما يثار في الدعايات الإعلامية.. خلال هذه السنوات الخمس أريد أن أسألكم هل شاهدتم حقاً العون الإلهي والنصرة الإلهية…

 

الرئيس الأسد..

 

طبعاً هذا النوع من الدور الإلهي لا تراه في لحظة معينة.. تراه بحالة طويلة المدى.. عندما ترى تسلسل الأمور.. كيف تسير الأحداث.. كيف تأتي الصدف.. هناك حالات تصبح خارج القدرات الإنسانية.. عندها تقول ان الله تدخل.. لذلك أنا كنت أقول ان سورية الله حاميها.. قلتها منذ أكثر من عشر سنوات وثبت هذا الشيء.. عندما ترى بأن القواعد المنطقية والعلمية تنكسر فماذا يبقى… يبقى الجانب الروحاني والإلهي في هذا الموضوع.. عندها تقول انه فعلاً شيء إلهي.. ولكن هناك جانب آخر أكثر أهمية.. عندما ترى شخصاً يعرف أنه ذاهب إلى الموت وعندما يسأل.. ورأيناه في أكثر من مكان.. يسأل ماذا تريد… يقول أريد الشهادة ويذهب ويعرف أنه ذاهب إلى الموت.. وتكون لديه القوة لكي يقاتل حتى يستشهد.. ماذا يعني هذا … هذا شيء أكبر من الإنسان.. أي عندما ترى البطولات كبيرة تصبح الحالة قوة إلهية تأتي لهذا الشخص لكي تمنحه القدرة على الصمود على المستوى الفردي.. هذه الأشياء جميعها طبعاً تجعلك ترى قدرة إلهية.

 

السؤال السابع والعشرون..

 

أنا أعلم الإجابة على هذا السوءال.. ولكن أود أن أطرحه لكي يعلم الآخرون أيضاً.. سورية وأنتم شخصياً دافعتم عن إيران وكنتم حلفاء لها على مدى سنوات.. هل هذا التحالف ناتج عن تفكير استراتيجي لشخص الدكتور بشار الأسد… أم أن كله أو جزءاً منه ناتج عن الإرث الذي ورثه بشار الأسد من الرئيس الراحل حافظ الأسد…

 

الرئيس الأسد..

 

هو سوءال دقيق لأنني بالنهاية ابنه في المنزل.. فلا شك بأنك تتشرب أشياء من والدك.. من الصعب أن تعرف تماماً حتى عندما تصبح كبيراً ما هو الشيء الذي أخذته من والدك.. لكن ليس بالضرورة فكرة معينة.. ربما أحياناً طريقة التفكير.. بالمقابل نحن في المنزل لم نكن نتحدث بالسياسة.. أنا لم أسأله ولا مرة عن موقفه من إيران عندما كنا نقف مع إيران في الثمانينات مثلاً.. ولكن أنت تفهم هذا الشخص في المنزل وتعرفه من خلال الإعلام والخطابات والمواقف السياسية كرئيس وتستطيع أن تربط بين هذين الجانبين أكثر من أي شخص آخر.. فأن يكون هناك تأثير بآلية التفكير والاستراتيجيات أعتقد بأن هذا شيء بديهي.. لا أستطيع أن أقول نعم بدقة ولكن لا شك أن هذا شيء موجود.. ولكن هناك جانب آخر له علاقة بنظرتي الاستراتيجية للوضع السوري.. لا تستطيع أن تتحدث عن السياسة السورية بدون التفاعل مع ما حولك.. وخاصة الدول الأكثر تأثيراً.. في هذا الإطار لو أردت أن أتحدث بشكل حيادي الآن كما لو أنه لا توجد أي علاقة خاصة بيني وبين الإيرانيين.. أقول.. هل إيران دولة توءثر على سورية أم لا توءثر.. عندما أتحدث عن القضية الفلسطينية وعن لبنان وعن العلاقة مع الغرب.. وسورية مستهدفة من قبل الغرب.. هل توءثر ايران كدولة بكل هذه الملفات أم لا… إذاً على المستوى الاستراتيجي نحن في سورية بحاجة للعلاقة مع إيران.. كيف تذهب بهذه العلاقة وإلى أين.. هذا موضوع تفصيلي.. ولكن إيران دولة موءثرة.. إذاً فأنت بحاجة لهذه العلاقة.. لنضع إيران جانباً.. ما الذي دفعني للعلاقة مع تركيا.. لم تكن العلاقة موجودة أيام الرئيس حافظ الأسد… نفس المنطق.. تركيا دولة موءثرة سلباً وإيجاباً.. إذا بنيت علاقة جيدة معها تستفيد وهذا ما حصل خلال الفترة 2004/2011 وعندما قرر أردوغان أن يأخذ هذه العلاقة بالاتجاه السلبي.. دفعنا ثمناً كبيراً.. فإذاً لا بد أن تكون لدينا نظرة استراتيجية بغض النظر عن الروءساء.. الرئيس حافظ الأسد ذهب.. وأنا سيأتي يوم وأذهب.. ولكن يجب أن نعرف بأن العلاقة مع الدول لا تبنى على العواطف.. يجب أن تبنى على حقائق… إذا كانت إيران دولة موءثرة.. فأنت بحاجة للعلاقة معها.. لو افترضنا بأن إيران.. لا سمح الله.. تلعب في يوم من الأيام دوراً سلبياً مثل تركيا اليوم.. فيجب أن نحاور إيران.. ولكن لحسن الحظ إيران تلعب دوراً إيجابياً.. ويجب أن نأتي بتركيا للعب دور مشابه لدور إيران.. هكذا أرى الأمور.

 

السؤال الثامن والعشرون..

 

حينما ننظر إلى مجموعة القوى الموءثرة في الداخل الإيراني.. نلاحظ أن الإمام القائد له روءية ومحبة خاصة بالنسبة لشخصكم.. أولاً كيف تفسرون هذه الروءية… وثانياً ما هي روءيتكم تجاه الإمام القائد…

 

الرئيس الأسد..

 

أولاً.. على المستوى الشخصي هناك محبة كبيرة بيني وبين سماحة الإمام الخامنئي ليس لها علاقة بالسياسة.. لها علاقة بالطباع الشخصية.. بالتواضع الموجود لديه.. بالاحترام.. هذه صفات تجعلك تحب هذا الشخص وتبني معه علاقة شخصية حتى وإن كنت أنت وهذا الشخص خارج نطاق السياسة.. هذا جانب.. الجانب الآخر.. في الإطار السياسي.. هو شخص لديه وفاء.. لقد عبر عن وفاء إيران تجاه موقف سورية.. عندما كانت سورية من الدول القليلة التي تقف مع إيران في الثمانينات.. الشعب الإيراني كان وفياً.. وسماحة الإمام عبر عن هذا الوفاء بشكل مباشر في عدة مواقف.. ولكن هذه الأزمة بالذات زادت هذه اللحمة وهذه النظرة لأن هذه المحن تظهر الوفاء بشكل أوضح.. فكان هو واضحاً في هذه النقطة.. الجانب الثالث هو أنه شخصية استراتيجية كبيرة.. وأثبتت الأزمة بأنه كان يرى الأمور منذ البداية كما كنت أراها بنفس الدقة.. مع أنني أعيش في سورية وهو لا يعيش فيها.. هو يأخذ معطياته من أجهزة الدولة وأنا أعيش هنا مع المواطنين.. ومع ذلك.. في الأسابيع الأولى كان يعرف تماماً ما الذي يحصل.. حقيقة.. إذا تحدثنا.. وأنا ليس من طبعي المديح.. أنا لا أمدح أحداً.. ولكن يجب أن نقول الأمور كما هي للتاريخ.. هو كان يرى الأمور بهذه الطريقة فعندما تنظر للأمور من منظور شخصي ومن منظور استراتيجي.. تستطيع أن تقول إن هذا الشخص وضع لنفسه مكانةً كبيرة على المستوى التاريخي في هذه المنطقة.

 

السؤال التاسع والعشرون..

 

أشكركم على سعة صدركم ولو كانت هناك رسالة تريدون أن توجهوها فنحن في خدمتكم..

 

الرئيس الأسد..

 

ما يهمني بالدرجة الأولى أن أوجه تحية المحبة والتقدير للشعب الإيراني لأن كل قرار سياسي يتخذه القائد أو تتخذه الحكومة الإيرانية والرئيس روحاني أو قبله الرئيس نجاد في بدايات الأزمة.. كل إجراء قمتم به.. سواء كان موقفاً سياسياً أو إجراء اقتصادياً أو دعماً عسكرياً بشكل أو بآخر.. هو محصلة توافق الشعب الإيراني على دعم سورية.. وهو بالمحصلة مساهمة مباشرة من كل مواطن إيراني فقيراً كان أو متوسطاً أو غنياً بأمواله في دعم سورية ضد الإرهاب.. فأنا أريد أن أستغل هذا اللقاء لكي أنقل تقدير كل سوري لهذا الدور للشعب الإيراني وللقيادة الإيرانية.

 

الصحفي.. أنا شخصياً استفدت.. وأشكركم على اهتمامكم وعلى سعة صدركم وعلى الإجابات على أسئلتنا.. على الإجابات الدقيقة التي قدمتموها.

 

 

 

اضافة تعليق