حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

هل رفع الشعب البطاقة الصفراء في وجه أردوغان؟

اعتدنا أن نرتكز في كل مواقفنا علي ردود أفعال، تتراوح عادة بين الشجب والإدانة وبين صراخ لا يتجاوز حدودنا. تهدأ الأمور بعدها حتي صدمةا أخري، وسط عالم يشبه مسرح العبث، لا ضوابط تحكمه، ولا إيقاع يمكن أن نستنتج منه ما هو قادم. ولأن الرئيس الأمريكي يمتلك »كتالوج»‬ مواصفاتنا، فقد عاود إطلاق قذائفه السياسية لتصيب الجولان هذه المرة، وبعد شهور من قراره بنقل سفارة بلاده إلي القدس، خرج ليؤكد سيادة إسرائيل علي الهضبة السورية، بما يخالف كل القرارات الدولية والحقائق التاريخية، واحتفل الكيان الصهيوني بالإعلان الأخير، عبر إضاءة قطاع غزة بقنابله المُدمرة!
لن أفرط كغيري في الحديث عن قرارات أممية، أصبحت مجرد حبر علي ورق منذ سنوات طويلة، لكن الأخطر أن الإعلان يساهم في فرض أمر واقع جديد، يمكن أن يصبح من المُسلّمات في حالة تخاذلنا، لا أتحدث هنا عن المواقف الرسمية فقط، بل علي المستويات الشعبية أيضا، حيث يمكن تبني مواقف فاعلة بعيدا عن »‬جهاد الشعارات» التي نتداولها فيما بيننا، وكأنها سترد إلينا أراضينا المسلوبة. كان يمكن أن أري لذلك أهمية، لو أن الهاشتاجات التي انطلقت موجهة إلي الغرب بلغاته المُختلفة، وأهمها لغة المنطق البعيد عن العواطف، فمخاطبة الرأي العام العالمي أمر مهم، وتوضيح الحقائق له يخدم قضايانا، في مواجهة عدو يعتمد بالأساس علي تعبئة الزيف في مغلفات براقة، ويُعيد تصديره عالميا بكفاءة، فيبدو صاحب حق لمجرد أنه الأقوي في مجال التسويق! غير أننا اكتفينا بإطلاق قذائفنا محليا، وكأننا في حاجة إلي إقناع أنفسنا بأننا أصحاب الحق.. وأن الجولان لنا!
أصبحت الهضبة حاضرة فجأة، بعد أن نسيناها طويلا، ولم نكن نستحضرها إلا في مناسبات موسمية، بينما يجتاحها المُحتل كل يوم، ويُجري حفائر محمومة لمحاولة إثبات وجود تاريخي مزعوم، وبمجرد اغتصابها عام 1967 عبثت عشرات البعثات المدعومة من الجيش الإسرائيلي بمواقعها المُختلفة، لخدمة نظريات سياسية توسعية وأفكار توراتية. ما سبق ليس مجرد أوهام تُنتجها عقلية أنهكتها نظرية المؤامرة، فالوقائع تؤكد ذلك، وخلال عامين فقط من الاحتلال كانت بعثة واحدة فقط، هي بعثة كلير ابشتاين وشمير ياهوجوتمان قد قامت بمسوح شملت 209 مواقع أثرية، مما يؤكد أن المقصود لم يكن البحث العلمي بقدر ما هو محاولة لاهثة للعثور علي آثار تخدم توجهات بعينها.
وقبل أن يمضي علي احتلال الهضبة ثلاث سنوات كان الإسرائيليون قد شرعوا في سرقة آثارها في بانياس، الحمة، فيق، رجم فيق، خسطين وغيرها. وفي عام 1974 دمروا آثار مدينة القنيطرة قبل الانسحاب منها، كما استولوا علي محتويات القبور والأبنية التاريخية في دير قروح. ولم تتوقف الجرائم عند حدود التزييف والسرقة، بل تم تحريف أسماء المناطق العربية إلي أخري توراتية، مثل تل القاضي الذي أصبح يحمل في أوراقهم اسم دان القديمة، وشهد منذ عام 1993 عملية تزييف كبري، بالإعلان عن اكتشاف لوح يثبت وجود مملكة داوود، شكّك في أثريته علماء الآثار الأجانب قبل العرب.
يظل تجاهلنا للبعد الثقافي في الصراع العربي الإسرائيلي أمرا بالغ الخطورة، خاصة أن العدو يستخدم التاريخ لتبرير سرقة الجغرافيا. وبينما انشغلنا بالأزمات السياسية المتتابعة كان الكيان المُحتل يلعب في كل الاتجاهات دون أن يهمل الثقافة، وكانت النتيجة الإعلان الأمريكي الأخير الذي يُهدد بضياع الجولان,التي ربما لا تعرف الأجيال الجديدة شيئاً عنها,بعد أن أصبح الكثيرون لا يعرفون من الهضاب .. ألا هضبة عمرو دياب .

المصدر جريدة الأخبار المصرية 

الكاتب : الصحفي جلال عارف   

 

اضافة تعليق