حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

كوشنير... حبة جوز فارغة

غازلَ جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، الرئيسَ محمود عباس بعد مقاطعته لورشة البحرين الاقتصادية، بقوله (3 يوليو 2019): "أُكِنُّ له (محمود عباس) كثيراً من الاحترام؛ هو كرَّس حياته لمحاولة تحقيق السلام، آمل أن نستطيع منحه فرصة لتحقيق ذلك"، مضيفاً: إن "الرئيس ترامب معجب جداً بالرئيس الفلسطيني. وإذا وافق الفلسطينيون على التحدث معنا، فسوف يجدون فرصة وإمكانية لحل الصراع".

وفي اعتراف ضمني بفشل ورشة البحرين ومخرجاتها، أشار كوشنر إلى عدم جدوى المسار الاقتصادي دون الحل السياسي، بقوله: "لا نية للاستمرار في هذه الاستثمارات قبل أن يكون هناك تقدُّم على المسار السياسي"، مشدداً على أن الهدف من مؤتمر البحرين كان وضع خطة اقتصادية للمنطقة يمكن تطبيقها في إطار حل سياسي.

استناداً إلى هذا الموقف الجديد لجاريد كوشنر، يمكن أن نستخلص عدة أمور، أهمها:

إقرار واشنطن بشرعية وأصالة الطرف الفلسطيني في المعادلة، وبكونه طرفاً لا يمكن تجاوزه أو التعامل معه كملحق أو تحت الوصاية كما حاولت أن تشي بذلك بعض الدول العربية التي سارعت لحضور ورشة البحرين، وهاجمت الفلسطينيين من خلال أبواقٍ مأجورة حاولت النيل من الموقف الوطني الفلسطيني الرافض للقفز عن الشق السياسي الخاص بالأرض، والعودة، وإقامة الدولة وعاصمتها القدس الشريف.

فبعض الأنظمة العربية، وفي غير ما تعارفت عليه الأجيال، اندفعت للتطبيع مع الاحتلال، وتساوقت مع رؤيته لحل الصراع؛ علَّها تنال رضاه ورِضى واشنطن، لغايات وأهداف قُطْرية أو حزبية أو شخصية على حساب الحق التاريخي الوطني للشعب الفلسطيني، وهو ما أغرى كوشنر لعقد ورشة البحرين، في ظل رفض الفلسطينيين وغيابهم.

تصريح كوشنر يحمل إشارة ضمنية بفشل ورشة البحرين ومخرجاتها؛ فكيف لواشنطن أن تطلق مشاريعها الاقتصادية المزعومة للتنمية في الضفة الغربية وقطاع غزة دون التنسيق والتعاون مع السلطة الفلسطينية ومؤسساتها. هذا من جانب، ومن جانب آخر لعل كوشنر استمع لنصيحةٍ من بعض الخبراء بأهمية الاستدراك عاجلاً على تعثر خطوته الأولى في البحرين، حتى لا تزداد المعوقات أمام "صفقة القرن" وخطواتها اللاحقة التي ستُعلن عنها واشنطن الأسبوع القادم، حسب تصريح كوشنر.

ما جرى يؤكد أنه بإمكان الفلسطينيين إعاقة "صفقة القرن" ومنع واشنطن من تصفية القضية الفلسطينية ومفرداتها الوطنية، بشرط توافر الحد الأدنى من وحدة الموقف الوطني الفلسطيني، رغم الحصار والضغوط والتهديدات الاقتصادية من قِبل واشنطن وتل أبيب، ورغم خذلان بعض الأنظمة العربية. فمن دون الفلسطينيين لا يمكن أن يملأ أحدٌ الفراغ، ومن دون الفلسطينيين لا شرعية لتسوية أو لحلٍّ سياسي مؤقت أو دائم.

إذن، أمام الفلسطينيين فرصة لرفع مستوى التنسيق الداخلي، لمواجهة صفقة القرن، ولمواجهة سياسات الإدارة الأمريكية المتماهية مع الاحتلال الصهيوني، فمحاولات كوشنر، وغريبنلات الذي شارك قبل أيام في افتتاح نفق "الحجاج" تحت بلدة سلوان المقدسية، وخطواتهما المزمع الإعلان عنها خلال الأسابيع القادمة، في سياق "صفقة القرن"، لا تعدُّ كونها أفكاراً لدعم بنيامين نتنياهو قبيل انتخابات "الكنيست" القادمة في سبتمبر، ولا تعد كونها إجراءات لتنفيس الاحتقان الفلسطيني المتصاعد بسبب سياسة الأمر الواقع التي يفرضها الاحتلال بتأييد أمريكي؛ كالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للاحتلال، وبتأييد فرض السيادة "الإسرائيلية" على أجزاء واسعة من الضفة الغربية، وهو ما يمهد عملياً لإنهاء فكرة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية، ويدفع بفكرة الحكم الذاتي واسع الصلاحيات أو بفكرة دولة فلسطينية في غزة وعلى أجزاء من الضفة الغربية.

جاريد كوشنر، بخبرته المتواضعة في قضايا الشرق الأوسط، وحداثة عهده بالسياسة وبالصراع العربي الصهيوني، أشبه بحبَّة جوز فارغة، قياساً إلى تطلعات الشعب الفلسطيني الوطنية، وأعتقد أن خبرته المتواضعة المُؤَدْلَجة لن تقدم شيئاً معتبراً سوى مزيد من التماهي مع الرواية الصهيونية التي تُجسّد له وللرئيس ترامب حلماً مسيحياً صهيونياً، عبَّر عنه "ديفيد فريدمان"، السفير الأمريكي في تل أبيب، يوم أن شارك جمعيةَ "إلعاد" العنصرية (30 يونيو 2019)، في فتح نفقٍ أسفل قرية سلوان المقدسية، بقوله مفاخراً: "لم يحصل الأمريكيون على حقوقهم بفضل نضال الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، بل لأن آباءنا قرؤوا التوراة التي جاءت من هذا المكان (القدس)، فهذا المكان موقع تراثي أمريكي إسرائيلي مشترك، فالتاريخ والتراث يوحّداننا".

وعليه فإن فريق إدارة الرئيس ترامب بات يُعبّر بوضوح عن إيمانه المسيحاني الصهيوني؛ باعترافه بالقدس عاصمة أبدية للكيان المحتل، ومن خلال تجاهله لحل الدولتين، وتجاهله للقرارات الدولية ذات الصلة وحتى المبادرة العربية للسلام (2002م) كما أشار إلى ذلك جاريد كوشنر مؤخراً عند سؤاله عنها، بقوله إن المبادرة العربية لم تعد صالحة، مضيفاً: "لا يمكن التوصل إلى اتفاق بين الطرفين في ظل الإصرار العربي على عودة إسرائيل إلى حدود ما قبل 1967، والسماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة". أي إن كوشنر يترك الفلسطينيين ليواجهوا مصيرهم الذي تقرره سياسات الاحتلال المدعومة أمريكياً، فالمعيار الأوحد في نظر كوشنر هو قوة الواقع الذي يسوقه الاحتلال في مواجهة اللاهثين وراء السلام المزعوم.

اضافة تعليق