حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

ربَّاتُ نِيتشه: في معنى "ما بعد الحرب" في سُوريَّة

ينطوي الحديثُ عن "ما بعد الحرب" في سورية على مفارقتين: الأولى، هي أنه حديث عمّا بعد اللحظة الراهنة، وفي ما لم يأت بعد، وقبل أن تظهر مؤشرات حاسمة على نهاية قريبة للحرب؛ والثانية، هي أنه "تَطَلُّع" نحو المستقبل، رغم غموض الواقع وفقدان اليقين فيه.

إنَّ المهم في الخطاب السياسيّ ومقولاته هو "ما يتبدَّى بالفعل"، أو ما يحاول الفاعل أن يُصَيِّرَه فعلاً أو واقعاً، ومن ثم فإنَّ التحدّي الرئيس الكامن في مفهوم "ما بعد الحرب" هو تحدّي "الخروج من الحرب" و"إعادة إنتاج" أو "إعادة تأهيل" أو "تجديد" مفهوم سورية المجتمع والدولة، والقطع مع رهانات فواعل الخصوم في الحرب منذ آذار/مارس 2011.

تحاول الورقةُ البحثَ في المعاني الكامنة في مفهوم أو مقولة أو خطاب "ما بعد الحرب"، والقصدية الكامنة فيه، ومفارقاته، وأنماط تلقيه من قبل الفواعل الرئيسة على جانبي الحرب، وأنماط الاستجابة له، وكيف أصبحت مقولة "ما بعد الحرب" ممكنة في سياق الحدث وتعقيداته ورهاناته.

يحيل تعبير "ما بعد الحرب" إلى "إرادة القوة" وروح المبادرة والإقدام في "حروب المعنى" و"استراتيجيات التأويل" بوصفها نمطاً من الحروب الدائرة اليوم، ذلك أن حديث كل طرف عن القرار 2254 مثلاً يحيل إلى معانٍ مختلفة إلى حدّ التناقض، كما لو أن المتلقي أمام قرارين أو أكثر تحت رقم 2254 وليس قراراً واحداً. وينسحب ذلك على نصوص البيانات الختامية للمؤتمرات ولقاءات القمة واجتماعات مجلس الأمن حول سورية.

إنَّ "ما بعد الحرب" هو تعبير لغوي بلاغيّ، يُظهر أن اللغة أداة في السياسة وفي الحرب أيضاً، وهو تعبير عن تطلع النظام السياسي والدولة إلى مشروع سياسي لديهما حول مستقبل البلاد. وهو تعبير إجرائي، بمعنى: أنه افتتاحي، وأولي، وإطاري، وتأشيري، ومؤقت، وينطلق من أن "ما بعد الحرب" يجب أن يستند إلى فكرة "الممكن".

كما أنَّ الحديث عن "ما بعد الحرب" هو فعل سياسي في العمق، يتمثلُ في جانبٍ منه قيمَ المقاومة والتحدي من جهة، والمبادرة والإقدام من جهة ثانية، والتدبير أو الفطنة من جهة ثالثة، هذا يذكر بـ "رَبَّات" نيتشه العليا، منها: "الأوان والفطنة والإقدام"، بمعنى: اغتنام الفرصة السانحة، بكل ما يتطلبه ذلك من نباهة ووعي ومعرفة وهِمَّة وجرأة في مقاربة الواقع، وفي التفكير بمقتضيات النهوض بالبلد والمُضي به إلى المستقبل.

أخذت "الشخصية الوطنية السورية" و"فكرة سورية" بعد سنوات من الحرب معنى جديداً، ارتقت عن أن تكون جزءاً من سجالٍ داخليّ أو ثقافيّ أو حزبيّ، وأصبحت بداهة تقريباً، أو يفترض أن تكون كذلك. وقد يكمن المعنى الرئيس لفكرة "ما بعد الحرب" في هذه النقطة ذاتها.

وهكذا فإنَّ خطاب "ما بعد الحرب" يمثل استراتيجية تفكير في الواقع من جهة، وتدخُّل عليه من جهة ثانية؛ وهو استراتيجية حرب بالمعنى الرمزيّ والتأويليّ، وحتى بالمعنى المادي أيضاً؛ واستراتيجية لاستعادة "المعنى المسروق" أو "المخطوف" من قبل الخصوم، و"المعنى المهدور" من قبل فواعل النظام السياسي والدولة، واستراتيجية لـ "إعادة بناء" الفكرة والمجال والإمكان والفضاء لمستقبل سورية.

تتألف الورقة من مقدمة وتسعة محاور، أولاً- في المقاربة، ويتضمن: المعاني الكامنة، ما أولويات سورية اليوم؟ ميتافيزيقا الحدث!؛ ثانياً- استراتيجيات المعنى؛ ثالثاً- في مفهوم "ما بعد الحرب" ويتضمن: لغويّ، بلاغيّ؛ سياسيّ، إجرائيّ، تداوليّ؛ رابعاً- رَبَّاتُ نيتشه؛ خامساً- إغراق وتعجُّل!؛ سادساً- الدوافع المخيالية؛ سابعاً- تلقي "ما بعد الحرب" ويتضمن: الموالون، الخصوم؛ ثامناً- بين كلاوزفيتز وفوكو؛ تاسعاً- الإشارات والتنبيهات؛ وأخيراً خاتمة.

المصدر : مداد

اضافة تعليق