حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

اللاجئون السّوريون.. بين الأزمة الإنسانية والإستغلال الدولي

الحرب السورية أشهر معدودة وتكمل عقدها الأول، عشر سنوات أفرزت كل أنواع المآسي لكن أسوءها وأكثرها وجعا هي قضية اللاجئين، ومن المجحف أن يتم تصنيفهم كطبقة واحدة، لأنهم فئات مثل المجتمع السوري، الجزء الأول والأكبر منهم هم الضعفاء أو الفقراء وموزعون بين لبنان والأردن والعراق وتركيا، أما الفئة الثانية فهم الطبقة المتوسطة وجلهم يعيشون في أوروبا بين ألمانيا والسويد وهولندا وفرنسا، والفئة الأخيرة هم الأغنياء الذين وجدوا من اللجوء فرصة للحصول على الفيزا لأوروبا بعد أن باتت صعبة على السوريين.

 

مؤتمر دمشق حول اللاجئين كان فرصة مهمة لتهيئة الأرضية لعودة الشريحة الأولى منهم على الأقل، وهم مئات الآلاف إن لم يكن الملايين، والمؤتمر عقد في فترة مهمة وهي بداية الشتاء، لان الجميع يعلم ان الظرف المعيشي للاجئين في خيم دول الجوار. هذه المخيمات التي بات رجالها مرتزقة رخيصي الثمن بالنسبة لتركيا أو عمالة بدون قيمة في لبنان.

 

إما النساء والأطفال فحالهم ليس أفضل لان حوادث القتل والخطف والاغتصاب بحق السوريين يوميا نسمعها من لبنان وتركيا، لذلك تهيئة الأرضية لعودتهم أهم خطوة تقوم بها الدولة السورية.

 

أما اللاجئون في أوروبا ربما يكون من المبكر الحديث من اجل عودتهم، لأنه بكل سهولة لن يعودوا طواعية بل هاجموا وتهكموا على المؤتمر قبل انعقاده حتى. وأوروبا الآن مقبلة على أزمة مالية كبيرة خصوصا بعد جائحة كورونا وأثارها الاقتصادية، إضافة إلى أن الأحزاب القومية واليمينية المتطرفة بدأت تصعد إلى السلطة تدريجيا.

 

وبحسب ما نشرت الصحف الفرنسية، فان بعض الدول الأوروبية استغلت فترة حظر التجول خلال وباء كورونا لحصر السوريين ومعرفة أوضاعهم لديها، وبالتالي باتت لديها قائمة كبيرة بملفاتهم.

 

وبحسب ما رشح من معلومات فان 70 بالمائة منهم سيتم فتح ملفات لجوئهم قريبا والبت بها من جديد، إضافة إلى أن عام 2022 سيكون حاسما بالنسبة للاجئين، فمعظم الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وايطاليا والسويد واسبانيا وحتى اليونان هي مع ترحيلهم وعودتهم إلى سورية، وبالتالي لم يبقَ إلا ألمانيا التي تسعى الأحزاب فيها إلى إجبار إنجيلا ميركل على ترحيلهم، ومن ذهب بالعوامة سيعود بالباخرة إلى ميناء اللاذقية بعد عامين.

 

"العمل يجعلك حرا" هذا هو الشعار الذي كان مكتوبا على معسكر الاعتقال النازي المشهور "داخاو" والذي كان من اكبر وأهم معتقلات نظام أدولف هتلر في ألمانيا، فكرة المعسكرات النازية كانت مبنية على وضع أسرى الحرب والمعارضين السياسيين والشيوعيين من أنصار الاتحاد السوفيتي في مكان واحد، ومن ثم جعلهم يعملون في مصانع تابعة للقوات الخاصة الألمانية، وقام الأطباء بحساب عدد السعرات الحرارية التي يستهلكها الأسير في عمله، ومن ثم يأمر أن يعطى نصفها حتى لا يصابوا بالترهل ويموتوا تدريجيا، إضافة إلى أن شعار المعسكر "العمل يجعلك حرا" ومن يأكل اقل سوف يقل عمله وبالتالي لن يصبح حرا، أي أن طوق النجاة الكاذب هذا كان عبارة عن مسكن الم للأسرى.

 

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بـ5 أعوام فقط، أي في عام 1950، كان 12٪ من سكان أوروبا في سن الخامسة والستين، أما اليوم فقد تضاعفت هذه النسبة، وبحسب التوقعات فإنه في عام 2050 ستصبح نسبة السكان الذين تتجاوز أعمارهم الخامسة والستين أكثر من 36٪ وهذا يعني أن أوروبا ستكون اسما على مسمى القارة العجوز.

 

ألمانيا مثلا والتي هي من الدول الأكثر سكاناً في أوروبا، لكن في المقابل معدل الخصوبة فيها من أدنى النسب في العالم، وتعاني من تراجع في عدد السكان بسبب تناقص الولادات الطبيعية، إذ تمثل فئة الأعمار الأقل من 15 سنة 16% من مجموع السكان. وبحسب معطيات دائرة الإحصاء الحكومية، سوف تنخفض نسبة المواطنين الألمان القادرين على العمل من 61 في المئة إلى خمسين، وهذه هي إحدى المشكلات الرئيسية التي تواجه الحكومة لأنه بعد بضع سنوات سيزداد عدد المتقاعدين بـ6 ملايين وتنخفض الأيدي العاملة بمقدار 5 ملايين.

 

وطبعا ألمانيا هي مثال وليس استثناء لان هذا الأمر ينطبق على السويد وفنلندا والدنمارك وغيرها من دول القارة العجوز.. وهذا الأمر يؤرق الحكومات الغربية بشكل كبير لأنها ستكون مجبرة على دفع الضمانات الصحية للمواطنين ورواتب التقاعد، وبالمقابل ليس هناك أيدي عاملة تكفي لسد فراغهم.

 

بعد اندلاع الحرب في سورية عام 2011، ذهب الملايين من السوريين إلى أوروبا بحرا، وهنا وجدت القارة العجوز ضالتها، شباب يافع في مقتبل العمر متلهف للحياة الغربية، وعندما وصلوا تم وضعهم في معسكرات تشبه تماما تلك التي أوجدها هتلر، ورفعت شعارات منها "العمل يجعلك حرا"، ولكن هل كانت صادقة هذه الشعارات؟ بعد شهور وربما سنوات في هذه المعسكرات التي سميت "كامب" يخرج اللاجئ إلى سوق العمل بشروط غربية، وليس جميع المهن، ولكن المهن التي يترفع الأوروبي عن العمل بها، ويوضع له راتب نصف الذي يأخذه ابن البلد، وضمان صحي اقل بدرجات كبيرة منه أيضا.

 

ولذلك يضطر اللاجئ للعمل ضعف مجهوده ليحصل على نفس المبلغ أو ما يقاربه، ولكن يخسر حياته الإنسانية، وبعد سنوات من هذا العمل يرى نفسه قد كبر وشاخ، وما جمعه في هذه البلد أنفقه فيها أيضا حتى يحاول العيش بطريقة كريمة أو حرة، وبعد هذه السنوات يكون قد تحرك في داخله الحنين لبلده، فيأخذ مرضه وشيخوخته معه ويرحل إلى دولته لأنه لن يستطيع العلاج في الغرب بسبب ارتفاع التكلفة الطبية.

 

لنعقد مقارنة بسيطة بين معسكرات هتلر وكامبات أوروبا الآن، ما الفرق بينهما؟ الأول قتل أسراه بسرعة والثاني قتلهم ببطء شديد، الأول استفاد منهم عسكريا فقط، أما الثاني استفاد منهم في كل شيء، الأول كان معسكره إجباريا، أما الثاني كان إراديا، ولكن الاثنين وجهان لعملة واحدة.. الاستعباد من اجل المستقبل هو مشكلتنا في هذه الأمة.

 

العالم العربي يضم ثروات كبيرة وعقول جبارة وأيدي عاملة هائلة، ولكن جميعها تصرف على تغذية نار الفتنة فيما بيننا، هذه الأموال تصرف على شراء السلاح وقصف العرب بأموال العرب، والعقول تهدى لعدو، أما الأيدي العاملة أما أن تكون مسلحة بعد أن يتم غسل أدمغتها، أو أن ندفعها لتركب البحر بتوابيت خشبية إلى أوروبا ومن ثم تدخل معسكرات الاعتقال بشكل إرادي لتكون ترسا في آلة الغرب، الذي لم ولن يكتفي بإشعال الحروب في دولنا طالما هي المستفيد الأول والأخير منها، ولن يكون هناك ضحية غيرنا، لأننا القاتل والمقتول معا.

قناة العالم

اضافة تعليق