حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

كيف تسيطر الدول على الممرات المائية؟.. مضيق هرمز نموذجاً

تعد الممرات المائية إحدى أدوات فرض النفوذ من النواحي العسكرية والجغرافية والاستراتيجية والتجارية في العالم، وبإمكان من يسيطر على مضيق مائي ما أو قناة بحرية، تهديد مصالح دولٍ وإيقاف تجارة أخرى.

ولطالما كانت الممرات المائية سبباً في اندلاع حروب أو حدوث توترات وتصعيد، وفرض عقوبات بين الدول، بغية الحفاظ على مكاسب معينة، أو بحثاً عن المزيد من النفوذ والتوسع في المجال الاستراتيجي والأمني، وهو ما يحدث في الآونة الأخيرة في مياه الخليج العربي بين إيران والولايات المتحدة ومعها دول أخرى.

بطاقة مواجهة إيرانية

بعيد الانسحاب البريطاني من منطقة "شرق السويس" ارتفعت وتيرة العسكرة في المضايق البحرية بالمنطقة، واحتلت إيران، عام 1971، الجزر الإماراتية الثلاث (أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى) من أجل فرض السيطرة الإيرانية على خطوط الملاحة البحرية في منطقة الخليج العربي، ومع ضعف قدرات أبوظبي، وحفاظاً على مصالحها، آثرت اتخاذ موقف المتفرج طيلة 48 عاماً.

ولم تكتف طهران بذلك، حيث عملت على استكمال سيطرتها على المنافذ البحرية الخليجية خلال الحرب العراقية 1980 -1988، وسعت أكثر من مرة لإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية.

ومع الاحتلال الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام حسين، وبسط النفوذ الإيراني شيئاً فشيئاً على الأراضي العراقية، ظهرت ملامح جديدة للجغرافيا السياسية على المسطحات المائية، خاصة في الخليج العربي والبحر الأحمر، وطفت معطيات جديدة في تلك المنطقة، ففي عام 2012، هددت طهران بإغلاق مضيق هرمز رداً على عقوبات أمريكية وأوروبية استهدفت إيراداتها النفطية، في محاولة لوقف البرنامج النووي.

ولكن الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع الغرب عام 2015، أعطاها مساحة تحرك كبيرة في الخليج، فهي غير خاضعة لأية عقوبات جديدة ويمكنها إبراز قوتها على جيرانها بالمياه الخليجية بشكل أكبر.

وفي عام 2016، قال القائد العسكري في الأركان الإيرانية، العميد باقر زادة، إنّ مضيق هرمز والخليج العربي منطقة استراتيجية، وإن إيران تبسط سيطرتها على هذه المنطقة بشكل كامل، مشدداً على ضرورة أن "تبقى هذه الحالة"، بحسب وكالة "فارس".

وفي يوليو 2018، لمّح الرئيس حسن روحاني إلى أن بلاده قد تعطل مرور النفط عبر مضيق هرمز، رداً على دعوات أمريكية لخفض صادرات إيران من الخام إلى الصفر، وانسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي منفرداً.

وفي 21 أغسطس 2019، قال روحاني مجدداً: "إذا مُنعت إيران من تصدير نفطها فإن الممرات المائية الدولية لن تكون على نفس القدر من الأمن كما كانت من قبل"، بحسب "برس تي في" المحلي.

يعني ذلك أنّ مضيق هرمز كان دائماً البطاقة التي استخدمتها إيران في مواجهة نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها في المنطقة، إضافة إلى إمكانية ضرب تجارة أي دولة خليجية منه عبر سفنها وغواصاتها المنتشرة.

المحافظة على النفوذ

لا يمكن المحافظة على السيطرة العسكرية على المضايق المائية دون تحركات مستمرة، تساندها السياسة تارة، والاقتصاد تارة أخرى، والقوة والاستعراضات المسلحة في كثير من الأحيان.

فقد نفذت إيران عدة تحركات في سبيل إغاظة جيرانها والمحافظة على مكتسباتها في المياه المصدرة للنفط العالمي، فنفذت مناورة بحرية أطلقت عليها اسم "الرسول الأعظم 1"، في مارس عام 2006، كشفت خلالها عن تطوير الغواصة "قادر"، التي تتمكن من شن عمليات إنزال مجموعات "كوماندوز" لمهاجمة قواعد وأهداف بحرية معادية، بمساعدة من كوريا الشمالية.

وشارك في تلك المناورة نحو 17 ألف عنصر من الحرس الثوري الإيراني، ومتطوعي الباسيج والشرطة الإيرانية، بالإضافة إلى 1500 سفينة وطائرة قتال ومروحيات صواريخ، بحسب وسائل إعلام محلية.

تبع ذلك مناورات "الرسول الأعظم 2" في أكتوبر 2006، وفيها اختبر الحرس الثوري الإيراني صواريخ جديدة ساحلية "أرض – جو"، وصواريخ بحرية "بحر – بحر"، مثل "كوثر ونور ونصر"، يبلغ مداها- وفق المسؤولين الإيرانيين- بين 120 كم و170 كم، لتغطي مساحة الخليج كله، وبحر عُمان.

في الوقت الذي فشلت فيه دول في الخليج مثل السعودية والإمارات في مواجهة النفوذ الإيراني بشكل حقيقي ومحلي، معتمدة على السياسة الأمريكية في حماية خط تجارة النفط العالمي الذي باتت إيران تستطيع إغلاقه بأي لحظة.

كما أنّ هرمز ليس ملكاً لإيران وحدها، فهو مضيق دولي، ويعد ممراً طبيعياً وحيوياً للتجارة الدولية، يصل بين بحرين ويشكل مياهاً إقليمية للدول المطلة عليه، وهي إيران وسلطنة عمان، حيث تمتلك كل منهما بحراً إقليمياً محدداً باثني عشر ميلاً، خصِّص ممران (ذهاباً وإياباً) للملاحة في المضيق وفقاً للخصائص الهيدروغرافية التي حددتها "المنظمة الدولية للملاحة البحرية".

وبذلك، يكون لعُمان ذات النفوذ الذي تفرضه إيران في مضيق هرمز، لكنها تتمتع بعلاقات شراكة متينة مع طهران، وعلاقات متزنة مع دول الخليج الأخرى وواشنطن.

حماية دولية لهرمز

وفي الآونة الأخيرة تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، ثم دخلت بريطانيا أيضاً، بسبب استهداف ناقلات نفط في مياه الخليج، واتهام واشنطن لطهران باستهداف مصالحها في المنطقة، قبل أن تنضم أستراليا أيضاً للحلف.

 

وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية، منذ يوليو الماضي، إلى تشكيل تحالف دولي يتولى مهمة حماية الممرات المائية في مضيقي هرمز وباب المندب.

وفي 30 يوليو الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو: إن "واشنطن طلبت من أكثر من ستين دولة تقديم المساعدة لتأمين خطوط الملاحة البحرية"، مضيفاً أن إيران "أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، وأظهرت استعدادها لسحب السفن التجارية من البحر، ووضع الألغام على ست سفن".

وبدوره، أعلن وزير الدفاع البريطاني بن والاس، في 5 أغسطس الجاري، أن بلاده ستنضم إلى مهمة بحرية أمنية بقيادة الولايات المتحدة في الخليج لحماية السفن التجارية التي تعبر مضيق هرمز، قائلاً إن "لندن تتطلع إلى العمل مع واشنطن وآخرين لإيجاد حل دولي للمشكلات في المضيق".

ويبدو أن واشنطن قد واجهت صعوبات في حشد تأييد للائتلاف بين حلفائها الأوروبيين والآسيويين الذين يخشون من زيادة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وإن كانت عدة جهات تؤيد المسعى الأمريكي حتى الآن من بينها الصين و"إسرائيل".

ما أهمية هرمز؟

ويعدّ مضيق هرمز أحد أهم الممرَّات المائيَّة الاستراتيجيَّة في العالم، ويبلغ عرضه 60 كيلومتراً، ومحل صراع دولي قديم في المنطقة.

ويُعتبر المضيق ورقة قوة لدى إيران؛ لكون قرابة 17 مليون برميل من النفط الخام تمرّ منه يومياً، وفق أرقام لمنظَّمة البلدان المصدِّرة للنفط "أوبك"، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

وفي حال نفّذت إيران تهديداتها وأغلقت حركة الملاحة في مضيق هرمز، فسيؤدّي ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي في الأسواق العالميَّة، إضافة إلى التسبُّب بانهيار اقتصادات بعض الدول التي تعتمد على هذه الواردات في اقتصادها.

وسيفتح وقف الملاحة في مضيق هرمز الباب على إمكانيَّة نشوب مواجهة عسكرية مع دول العالم الكبرى، خاصةً التي توجد قطعها البحرية بكثافة قرب المضيق.

وتاريخياً لم يستطع المضيق الإفلات من أطماع وصراعات الدول الكبرى للسيطرة عليه؛ فمنذ القرن السابع قبل الميلاد وهو يؤدّي دوراً دولياً وإقليمياً هاماً، أسهم في التجارة الدولية.

وقد خضع للاحتلال البرتغالي، ثم لسائر الدول الأوروبية، خصوصاً بريطانيا، لتنتشر الشركات الغربيَّة المتنافسة، ويتراجع الأمن مع غزوات القراصنة.

وكانت بريطانيا تعتبر المضيق مفترق طرق استراتيجية، وطريقاً رئيسيّاً إلى الهند.

اضافة تعليق