حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

عندما يخسر الاقتصاد النفط!

منذ أن اكتشف النفط في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، احتل أهمية في الحياة الاقتصادية للدول. ومع مر السنون، فقد تطورت التقنيات المستخدمة في استخراج النفط والغاز والثروات الباطنية الأخرى. وبهذا أصبحت أهمية الطاقة تتزايد إلى أن أصبحت شريان الحياة الاقتصادية في العالم. وفي الوقت ذاته، هذه الأهمية، جعلت قطاع النفط من أكثر القطاعات الاقتصادية تأثراً بالحروب والأزمات وغالباً ما يكون النفط سبباً للحروب بحد ذاتها، أو أداة قوية في تنفيذها سواء أكانت حروب عسكرية أو اقتصادية.. وغيرها.
 
ما يجري اليوم في سوريا، لا ينفصل عمّا تم ذكره. فمنذ 12 عاماً أعلنت حرب هوجاء على سوريا، ولا تزال مستمرة، وتتزايد ضغوطها يومياً بعد يوم، وباتت تأثيراتها الاقتصادية هي الأكبر خاصة وأن الحرب العسكرية التي مرت بها البلاد أثرت بشكل كبير على مختلف قطاعات ومفاصل الاقتصاد السوري الزراعي والصناعي والخدمات والسياحة.. وغيرها. إلا أنّ الخسارة الكبرى كانت في قطاع النفط خاصة وأنه يعد رافعة الاقتصاد السوري. هذه الحالة التي فرضت دون وجود بدائل محلية قادرة على تغطية ما حصل، فأصبح الوضع الاقتصادي يزداد تراجعاً.
 
حقول الجزيرة السورية
 
تقع أغلبية حقول النفط السورية في منطقة الجزيرة في محافظات (الحسكة، دير الزور والرقة)، وتشكل الآبار الموجودة في تلك المحافظات ما نسبته 96% من إجمالي الآبار النفطية الموجودة في البلاد، وجميعها تقع حالياً تحت سيطرة الاحتلال الأمريكي والمجموعات المسلحة المدعومة منه "قوات سورية الديمقراطية- قسد" الجناح العسكري لما تسمى (الإدارة الذاتية) الكردية. ويبلغ إنتاج تلك الآبار ما يقارب 360 ألف برميل يومياً. أمّا بالنسبة للآبار الموجودة تحت سيطرة الحكومة السورية هي قليلة جداً ولا يتعدى انتاجها 14 ألف برميل يومياً، وتوجد في ريف محافظة دير الزور شرق البلاد.
 
أمّا بالنسبة لآبار الغاز، كانت الخسارة أقل مما هو عليه في النفط، فقد كانت تنتج سوريا قبل الحرب قرابة 28 مليون متر مكعب يومياً، وهو من آبار عدّة تتوزع في عدد من المحافظات السورية النسبة الأكبر منها في منطقة الجزيرة السورية، وذلك بنسبة 70 بالمائة تقريباً، أما ما ينتج من بقية المناطق التي تقع تحت سيطرة الدولة السورية يصل إلى 30% تقريباً. ويبلغ الإنتاج اليومي حالياً قرابة 9.5 مليون متر مكعب. وبالرغم الحديث عن استكشافات برية جديدة، لكن حتى أن الأرقام المتوقعة من الآبار التي ربما ستدخل الإنتاج خلال الفترة المقبلة، هي قليلة مقارنة بحجم الطلب المحلي.
 
مخزون حوض المتوسط
 
رغم وجود دراسات عدّة تؤكد وجود مخزون نفطي كبير في منطقة المتوسط، إلا أنّ سوريا من الدول المتأخرة في مجال التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية، وذلك لأن التقنيات المستخدمة حالياً لدى شركات التنقيب العالمية هي تقنيات غربية تمتلكها شركات فرنسية ونرويجية وأمريكية وغيرها، وهذه الدول لا تسمح لأي شركة تنقيب بإجراء أي مسوحات في المياه الإقليمية السورية بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على البلاد.
 
حتى أنّ الدول الصديقة لسوريا، كالصين وروسيا لديها شركات تنقيب ولكن أيضاً شركاتها تعتمد على التقنيات الغربية وهذا سيبعدها عن المغامرة في الدخول بالمياه الإقليمية السورية لإجراء المسوحات المطلوبة قبل الحفر. وفي هذا السياق، سبق أنّ أكّد وزير النفط والثروة المعدنية بسام طعمة، في لقاءٍ مع موقع “الميادين. نت”: إنّ نقطة الضعف الوحدة لدى الشركات الروسية تكمن في افتقادها إلى تقديم خدمات نفطية على مستوى شركات الخدمات الغربية، التي لديها تقنيات جديدة ومتطورة من قبيل تقنيات تسييل الغاز والمسح السيزمي والمسح في البحار وغيرها، لافتاً إلى أنّ عمق المياه السورية يصل إلى نحو ألفي متراً، فيما هو في بعض الدول كفنزويلا وكندا والخليج العربي يتراوح ما بين 40-50 متراً، وتالياً فإن هناك شركات عالمية قليلة هي التي يمكنها أن تقدم تقنيات تسمح بإجراء مسح دقيق لهذه المناطق والقيام بعمليات استكشاف وحتى عند محاولة الإنتاج.
 
وكشفت دراسة أُعدت عام 2010 إن حوض شرق البحر المتوسط، يحتوي على 122 تريليون قدماً مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل احتياطي من النفط، وإن كانت بعض المصادر توقعت أرقاماً أعلى، وفقاً لموقع قناة “روسيا اليوم” الإلكتروني.
 
وأضاف الموقع، "إن التقديرات التي نشرتها تؤكّد أنّ منطقة حوض شرق المتوسط من أهم أحواض الغاز في العالم، فهي تعوم فوق بحيرة من الغاز تكفي لتلبية حاجة سوق أوروبا لمدة 30 عاماً، والعالم لمدة عاماً واحداً على الأقل. وتتمركز هذه المنطقة داخل الحدود البحرية الإقليمية لعدد من دول منطقة البحر المتوسط وهي (سوريا وتركيا وقبرص ولبنان ومصر وفلسطين)، إضافة إلى "إسرائيل".
 
تضخم وتدهور اقتصادي.. ما المطلوب؟
 
دخلت سوريا منذ عام 2013 بخسارة فعلية لآبارها النفطية ولم يكن بالحسبان حينها، خسارة ما هو حاصل اليوم منها، إذ أنّ استمرار السيطرة الأمريكية والكردية على نابع النفط شرق الفرات، مع ضعف الاستكشافات المحلية، أدى إلى زيادة الضغط على الطلب المحلي للمشتقات النفطية، وبنفس الوقت أثر التراجع الحاد الذي حصل على الكميات المطلوبة من الطاقة واللازمة للاستهلاك المحلي، بشكل كبير على الإنتاج الصناعي والزراعي في البلاد. ويأتي هذا إلى جانب الخسائر الكبيرة التي لحقت بالقطاعات الاقتصادية المحلية نتيجة الحرب من تدمير وتخريب وسرقة.
 
وبالرغم من عودة الحياة الزراعية وحتى جانب من الحياة الصناعية في سوريا بعد عام 2018، إلّا أنّ حالة الضغط الاقتصادي الغربي المفروض عليها، لم يجعل الوضع الاقتصادي بحالة مستقرة، حيث حصل زيادة في الطلب على الطاقة على المستوى المحلي، وبنفس الوقت زادت العقوبات الاقتصادية بعد فرض ما يسمى "قانون قيصر"، وبالتالي انخفضت كميات النفط المستوردة من الخارج ما انعكس على حالة العرض والطلب، فارتفعت أسعار المشتقات النفطية، وزادت كلف الإنتاج، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية والصناعية ودخلت البلاد في موجة تضخم غير مشهودة. وبقيت هذه الحالة مستمرة إلى أن وصل الاقتصاد اليوم إلى ما هو عليه.
 
فعندما يخسر الاقتصاد النفط، تتأثر جميع القطاعات الاقتصادية، وبالتالي تحول الاقتصاد الوطني بشكل تدريجي إلى مرحلة ربما يصل فيها إلى الشلل الاقتصادي إن توقفت عجلة الإنتاج. لا سيما هذا يأتي في ظل سياسة الحكومة السورية التي تتجه نحو رفع الدعم تدريجياً عن المشتقات النفطية مثل البنزين والمازوت في وقت لا تزال فيه الكميات المطلوبة للاستهلاك غير متوفرة بالشكل المطلوب. أضف إلى ذلك، تراجع القوة الشرائية لليرة السورية، مع انخفاض متوسط الرواتب والأجور إلى 15 دولار أمريكي بعد الزيادة الأخيرة.
 
إنّ هذه الحالة اليوم، تحتاج إلى خطى مدروسة وجريئة لمعالجة المشكلات الاقتصادية المحلية خاصة في وقت تنعدم فيه الخيارات المطروحة، ويتطلب أن تكون المعالجة من خلال:
 
1. محاربة الفساد بالدرجة الأولى وخاصة الفساد في قطاع المحروقات والتهرب الضريبي.
 
2. كذلك محاسبة المضاربين في السوق المحلية، وتحمليهم أقسى العقوبات.
 
3. أضف إلى ذلك، وضع سياسات اقتصادية حكومية واقعية قادرة على إحداث أثر على المدى القريب يكون ملموس لدى المواطنين.
 
4. تخفيف الهدر .
 
5. توجيه الكميات الأكبر من المحروقات المستوردة للقطاع الإنتاجي وخاصة الزراعي منه.
 
 
صحفي وطالب دكتوراه في جامعة دمشق
 
دمشق: الإثنين 20 آب 2023

اضافة تعليق