حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

اللجنة الدستورية السورية.. حوارات أم فرض إرادات؟

الدكتورة حسناء نصر الحسين

خيار الحل السياسي كان الخيار الأول الذي تبنته الدولة السورية منذ اندلاع الحرب عليها، لتأتي تصريحات الرئيس الأسد وفي أكثر من مناسبة لتشير إلى ذلك، معطيةً كل المؤشرات الايجابية والتفاعلية تجاه الذهاب نحو الحل السياسي، حلفاء سوريا بالمقابل كانوا يقفون خلف هذه الرؤية السورية ويدفعون باتجاه تحقيقها عبر طلب إحياء مسار الحل السياسي، والتأكيد عليه خاصة في المحافل الدولية وأروقة الأمم المتحدة، وعلى إثر ذلك جاءت مؤتمرات الحل السياسي والتي بدأت  بمسارات جنيف والتي لم تفضي إلي أي شيء نتيجة عدم رغبة الدول المنخرطة في العدوان على سوريا لانجاحها من خلال الضغط على المعارضة، لتكمتل جولات الحوار في مؤتمر سوتشي والذي جاء منقذا للحل السياسي الذي أعاقته اطراف الحرب على سوريا خلال الجولات السابقة، ليخلص مؤتمر سوتشي بأهم مخرجاته وهو اللجنة الدستورية .

 

بعد عامين من الاجتماعات المتتالية ما بين مسار سوتشي واستانا والذي تم خلالها الخروج التوافقي على الذهاب لتشكيل اللجنة الدستورية المعنية بمراجعة واعداد دستور جديد لسوريا، وبعد اللقاء الثلاثي الذي تم مؤخراً بين الرؤساء الثلاث بوتين وروحاني واردوغان خرج بوتين ليعلن عن التوصل لإعلان تشيكل اللجنة الدستورية وهذا ما تبنته لاحقاً الأمم المتحدة في اجتماع الجمعية العمومية، هذا التبني الاممي للجنة الدستورية أعطى مشروعية دولية للدولة السورية وسجل انتصاراً جديداً يضاف الى رصيدها الذي مثل الميدان الكفة الأرجح التي صنعت ميزان قوى جديد فرض على كل هذه الاطراف الحاجة للعودة الى خيار الدولة السورية الأول وهو الحل السياسي وانعاش اللجنة الدستورية كخطوة أولى في هذا المسار.

 

وزير الخارجية السورية وليد المعلم كان واضحاً في تقديمه لرؤية الدولة السورية للجنة الدستورية وآلية عملها محدداً مسارات ثلاث تتمثل في: ( لا نقبل أفكاراً خارجية – لا نقبل جدولاً زمنياً لعمل اللجنة – لن نسمح بالتدخّل في صياغة دستورنا )، هذا الوضوح في الرؤية لم يقتصر على هذه النقاط وإنما التأكيد على أن تشكيل اللجنة الدستورية لا يلغي بالمطلق حق الدولة السورية باستمرار عملياتها العسكرية لتطهير الاراضي السورية من الارهاب، وهذا بحد ذاته انتصار سوري في فصل المسار السياسي وتشكيل اللجنة الدستورية عن المسار العسكري ومكافحة ما تبقى من جيوب الارهاب .

 

تأكيد الدولة السورية على عدم السماح بالتدخلات الخارجية في عمل اللجنة الدستورية نابع من تجربة سابقة مثلت فيها التدخلات الخارجية في مسارات الحوار مع المعارضة محطات فشل لكل تلك الحوارات ، لكن ما يظل مقلقاً في هذا السياق هو حالة المعارضة الخارجية ووضعيتها التي تتسم بعدم التناغم واللإنسجام وارتباطاتها الواضحة بالاطراف الخارجية، مما يبعث بمزيد من التشاؤم تجاه تفادي التدخلات الخارجية في عمل اللجنة الدستورية، مما يعني المزيد من التعقيدات والعراقيل تجاه أي توافقات قد يتم الخروج بها خلال عمل اللجنة الدستورية، ومن المؤشرات الأسوء في هذا النسق هو الحرص الأمريكي على الدفع بشخصيات كردية( قسد ) متسمة بميولاتها الانفصالية بما يكشف مسبقاً النوايا الامريكية تجاه تدخلها في عمل اللجنة وفرض ما يُفشل الحالة التوافقية الممكن التوصل إليها تجاه كل نقاط الخلاف المتوقعة في النقاش المقبل .

 

لا تتوقف المعضلة عند نقطة المعارضة الغير متجانسة وإنما حجم التشابكات الخارجية الاقليمية والدولية وما يؤثر فيها من مصالح تتصل بالدول المتشابكة مع هذه المعارضة، اضافة الى كل ذلك تظل هواجس بعض المعارضة المرتبطة بما تم تجاوزه أمميا ودوليا من الاصرار على رحيل الرئيس الاسد، وبالتالي المجيء الى النقاش ضمن اللجنة بالعقلية التزمتية والغير واقعية والتي تصر على العيش خارج حدود ما بات مسلماً به من قبل محركي تلك المعارضة، واذا كان الرهان كما يقولون على الشعب السوري بعتباره الفصل والحكم فيما يتم التوافق عليه من دستور جديد.. فلماذا تخشى المعارضة من ترشح الرئيس بشار الأسد للدورة الرئاسية المقبلة 2021؟ .

 

تبقى التوقعات رهينةً لمستوى التدخلات الإقليمية والدولية ومدى تأثيرها على الأطراف المتشابكة معها  ضمن المعارضة، وكلما كانت هذه الدول المتورطة في الحرب على سوريا بعيدة عن التفكير في تحقيق مكاسب عجزت عن تحقيقها طوال سنوات الحرب لتأتي وعبر مسار الحل السياسي والتأثير السلبي على اللجنة الدستورية السورية، كلما كان نجاح هذه اللجنة قريب المنال، وما يدور في ذهنية المعارضة من حالة اليأس بفرض خياراتها على الدولة السورية يمثل عائقاً لا يجب التوقف عنده، باعتبار تغير الواقع الحاصل، وتبدل النتائج القائمة بعد تسع سنوات من الحرب الدامية والمدمرة، والتي استطاعت فيها الدولة السورية الصمود وتحقيق ما لم يكن في حسبان الجميع، وعلى هذا يجب أن تأتي المعارضة السورية الى طاولة حوار يحكمها واقع الانتصارات بعيداً تماماً عن القفز على هذا الواقع .

علاقات دولية – دمشق

اضافة تعليق