حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad

طبول الحرب التركية والمأزق السياسي القادم

طبول الحرب في شمال وشمال شرق سورية تقرع بقوة، في عدوان على الأراضي السورية اسماه أردوغان "نبع السلام" ترافق صدى صوتها من نهر الفرات غربا هناك من مدينة جرابلس حتى المالكية في أقصى الشمال الشرق عند مثلث الحدود التركية العراقية على امتداد أكثر من أربعمائة وثمانين كيلو متراً بعمق يصل إلى ثلاثين كيلومترا، تلك النار التي هبت مع رياح تشرين الأول، حدد لها الجانب التركي ثلاثة أهداف، تتلخص بإقامة منطقة أمنة، وضمان أمن الحدود، وإفساح المجال إمام عودة النازحين إلى الداخل السوري.

في الواقع، وبعيدا عن التصريحات الصحفية، فإن ما يخفيه العدوان أبعد بكثير من قضية المنطقة الآمنة، حيث يتسع أفق الدول الداعمة للحرب ضد سورية، إلى مشاريع تقسيم لوحدة الأراضي السورية، وتقويض العملية السياسية وهدم أساسها المتمثل باللجنة الدستورية، بالرغم من كون الجانب التركي احد الدول الضامنة في محادثات استانا.

في الوقائع الميدانية، العدوان شمل مدن الشريط الحدودي من المالكية وصولا إلى رأس العين مرورا بمدن القحطانية والقامشلي وعامودا والدرباسية ، العدوان يتركز في مناطق رئيسية وهي رأس العين وتل ابيض وعين عيسى، ومن المرجح أن يكون الهجوم البري باتجاه مدينة رأس العين عبر ثلاثة محاور محور شرقي عبر احتلال بلدة علوك، ومحورين من الجهة الغربية، من جهة قرية تل حلف وتل أرقم غرب المدينة، حيث تؤكد المصادر الخاصة أن قوات العدوان التركي فتحت ثلاثة أقسام من الجدار الأسمنتي الفاصل بين الدولة التركية والسورية مقابل مدينة رأس العين، في إشارة إلى أن الهجوم البري سيتم قريبا، وحتى لحظة كتابة هذه السطور، لم يتم اقتحام مدينة رأس العين مع الاستمرار بعمليات استهداف متقطعة لمواقع ميليشيا قسد، أما بالنسبة للتوغل البري نحو مدينة تل ابيض فالهجوم البري تم عن طريق الجهة الشرقية للمدينة والسيطرة على قرية خزان عشق بإشارة إلى أن الأتراك يحاولون أن يقطعوا الطريق الواصل بين رأس العين وتل ابيض لمحاولة الالتفاف على المدينة .

الأمريكي الذي ترك الرهان التركي على عملية محدودة وسريعة، كان قد انسحب مع صياح الديك التركي استعدادا للحرب، أما الأكراد الذين وهبوا الكوبوي مصيرهم ومشوا خطوات مهمة معهم تجاه الكردي، وقع في فخ مزاد علني افتتحه ترامب لبيع مدخراته من أتباعه في المنطقة، فقبل أن ينسحب من المناطق التي سيعتدي عليها الجيش التركي، كان قد أعاد ترتيب أوراقه ضمن مساحات متناقضة، لعله ينجي نفسه من خسائر بشرية لا يتحملها ترامب في الداخل الأمريكي، ويجمع الجميع أن سيد الحرب الأمريكي اتفق على أن يلوح التركي بالعصا للكردي، ولكن لن تتوافق حسابات الحقل مع حسابات البيدر، فالتركي والكردي والأمريكي، دخلوا عنق الزجاجة، كون ما يجري ليس مأزقا كرديا فقط بل هو مأزق للأمريكي والتركي في آن معاً، فمسرح العمليات الدائرة في شمال وشمال شرق سورية، يشير إلى أهمية هذه المنطقة التي تختصر مصير الحرب المفروضة على سورية، كونها تضم آبار وحقول النفط والغاز، وهي السلة الغذائية للبلاد لإنتاجها أهم المحاصيل الإستراتيجية كالقمح والقطن، ولحضور عنوان دائم وهو بقايا جماعة داعش الوهابية، ما يعني ديمومة وجود القوات الغازية الأمريكية أو التركية، وهذا يستدعي أن يواجه الأتراك مطبات سياسية كثيرة، ومنها ما الهدف من إعادة التوزيع الديموغرافي في تلك المنطقة بعد الإعلان أكثر من مرة عن إعادة النازحين إلى الداخل السوري من تركيا وحتى بعض الدول الأوربية، وإسكانهم في تلك المنطقة، حيث يرجح بعض المراقبين في دمشق، أن الأتراك سيواجهوا مأزق تشكيل كانتونا جديدا تابع لهم في شمال شرق سورية، في حال طبقوا ما يتحدثوا عنه، على غرار الكونتانات التي شكلوها لجماعة جبهة النصرة وداعش وما يسمى بالجيش الحر في ادلب وغيرها من المناطق، وهنا سيكون استبدال نهب النفط السوري من يد جماعة قسد، إلى مجموعات مسلحة تابعة لهم تحت مسمى "الجيش الوطني".

كل ذلك يؤكد أن المدافع التركية لا تصنع سلاماً في الجزيرة السورية، وان الباب يفتح واسعا أمام الحلم التركي بإعادة تفعيل دوره في المنطقة، والعودة إلى فترة ما قبل تحرير حلب، واستمراره كقوة قادرة على تخريب أي جهود سياسية تسعى لإنهاء الحرب المفروضة على سورية، بالإضافة إلى قدرتهم الرهيبة كأتراك على احتضان الإرهاب من داعش للنصرة لباقي الفصائل، وإبعاد القوة الجغرافية التي امتلكتها الدولة السورية عن الاستثمار السياسي، وهذا يذكرنا بما فعله الأتراك في شمال قبرص والعراق، والآن في شمال سورية، وهو تاريخ يعتمد على نظرية التذاكي السياسي، وإتقان اللعب على الحبال، ما يدلل على أن التركي يحاول الاستثمار في الفوضى، وتقويض كل ما تم الاتفاق عليه في استانا وسوتشي. العدوان الذي سمع صداه في جميع أرجاء العالم، يؤكد أن تخطي الحدود الجغرافية والسياسية للبلدان، لا يصنع استقرار في المنطقة، وان الدم المسال يعقد الأمور أكثر، وبالنهاية سيعود التركي لتطبيق اتفاقية اضنة المنظمة للحدود بينه وبين الجانب السوري، ولن ينجح في نواياه العدوانية، هكذا تقول حركة التاريخ.

اضافة تعليق