حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

أهلنا في الجولان المحتل: سورية الهوية والوطن

هو 14 شباط الـ 37 الذي يحييه أهلنا في الجولان السوري المحتل، احتفاء بذكرى الإضراب الوطني الكبير، الذي يطلقون عليه فخراً وعزاً «معركة الهوية» هوية الجولان السورية، بمواجهة محاولات العدو فرض «الأسرلة» عليه (فرض الهوية والجنسية الإسرائيلية).
14 شباط الـ 37 سيحلُّ غداً الخميس، وأهلنا في الجولان يستعدون– كعادتهم– لإحيائه على قاعدة أنه حدث وطني مجيد لا يمر وكأنه ذكرى ماضٍ، بل تأكيد لمستقبل لن يكون فيه الجولان إلا سورياً وحراً.. وأن معركة الهوية والصمود مستمرة حتى يتحقق ذلك.
ستة أشهر متواصلة من دون انقطاع استمر الإضراب الوطني الكبير، مفاجئاً العدو الإسرائيلي، بصلابة وشجاعة وإيمان, أهل لطالما أثبتوا أصالتهم في معركة سورية الوطن.. أسقطوا رهان المحتل على أنهم قلة (13 ألفاً) لن يكون في مقدورهم مواجهة عدو يريد أن يفرض عليهم نفسه وقوانينه كأنه قدر.. لكنه ارتد مدحوراً مهزوماً من دون عودة، وذلك حتى يوم 31 تشرين الأول من العام الماضي 2018.. العدو الإسرائيلي– الذي حاول طوال ثماني سنوات مضت من عمر الحرب الإرهابية على سورية– تمهيد الجغرافيا والديمغرافيا عبر عملائه ومجموعاته الإرهابية المسلحة (وحتى دولياً عبر الولايات المتحدة) هذا العدو عاد في ذلك اليوم إلى أوهامه وإلى محاولاته فرض «قوانينه» عبر فرض ما يسمى «انتخابات محلية» على أهلنا في الجولان.. لكن هذا العدو وجدهم مرة أخرى على أهبة الاستعداد.. لم تفت من عزيمتهم سنوات المحنة ومحاولات المحتل فرض مجموعاته الإرهابية المسلحة كـ «بديل وطني».. لم تخنهم الثقة يوماً بأن سورية وطنهم– تاريخاً وهوية.. وحاضراً ومستقبلاً.. أرضاً وسماء وماء وهواء.. وهذه الحقيقة لا تغيرها ولا تبدلها محنة يعيشها وطنهم وأبعدته عنهم بضعة أمتار.. الوطن هو قلب وروح وإنسان، لا تحدده الجغرافيا فقط.
في يوم 31 تشرين الأول 2018 جدّد أهلنا في الجولان المحتل معركة الهوية، فأسقطوا بانتفاضة وطنية كبيرة «انتخابات» العدو.. كان هذا اليوم تتويجاً لسنة كاملة من العمل النضالي المتواصل الذي واظب عليه أهلنا في الجولان المحتل.. وفي اليوم الموعود حققوا نصراً باهراً مشرفاً، فارتد المحتل مرة أخرى مدحوراً مهزوماً.
لا خوف على الجولان، فأهلنا على العهد والثقة والنضال.. «صدقوا ما عاهدوا الله» والوطن عليه..

في كل مرة نعيد، ولابد من أن نعيد.. وواجبنا أن نعيد.. ومن الوطنية والإنسانية أن نعيد.. ومن التقدير والإجلال أن نعيد.. أن نعيد في كل عام، في 14 شباط، تخليد معركة الهوية التي خاضها أهلنا في الجولان المحتل، لتبقى حاضرة فينا جيلاً بعد جيل، ولتكون إحدى منارات المستقبل، إذا ما أردناه مشرقاً مزدهراً، سالماً غانماً آمناً.. إذا ما أردنا وطناً مستقلاً وحراً.. إذا ما أردنا أجيالاً (شعباً) مجبولاً بروح الوطن، بالمقاومة والنضال، ومستعداً لكل معركة ولكل تحدٍ.
المقاومة قولاً وفعلاً
بدأ الإضراب الوطني الكبير في 14 شباط 1982 رفضاً ورداً على ما يُسمى «قانون الضم» الذي أصدره «الكنيست الإسرائيلي» في 14 كانون الأول 1981 والقاضي بـ «ضم الجولان وفرض القوانين الإسرائيلية على أهله» بالقوة والحصار والتجويع والقمع والاعتقال والتعذيب.. وظن كيان الاحتلال الإسرائيلي أنه بذلك يستطيع كسر إرادتهم، فكان أن سطروا أروع ملاحم الصمود والثبات، لينتصروا في معركة خاضوها وهم عزّل من أي سلاح.
لم يكن «قانون الضم» مفاجئاً، فهو جاء بعد سلسلة إجراءات عدوانية بدأت منذ احتلال الجولان خلال العدوان الإسرائيلي عام 1967، فكان هذا «القانون» دليلاً دامغاً على أطماع المحتل في هذه الأرض السورية لما لها من موقع استراتيجي مهم، وما تتميز به من خيرات زراعية، وما تختزنه أرضها من مياه وافرة.
عمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير وجرف ما يقارب 200 قرية ومدينة ومزرعة تم تهجير أهلها بفعل العدوان، لتبدأ مباشرة عملية بناء المستوطنات على أنقاضها.
وفيما تبقى من قرى كـ مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا وعين قنية، بدأت سلطات الاحتلال باتخاذ خطوات وإجراءات لتكريس «ضمها» عبر الاستيلاء على جهاز التعليم فيها، من خلال إلغاء المنهاج الدراسي السوري لفصل أبناء الجولان السوري عن هويتهم الوطنية، كما عمدت إلى تعيين ما يسمى «مجالس محلية» تتولى تنفيذ مخططاتها العنصرية، إضافة إلى ربط أهل قرى الجولان المحتل باقتصادها- فأصبح التعامل يتم بعملة الاحتلال- وحصر التعامل بأسواقه.
استولت سلطات الاحتلال على مصادر المياه بما فيها بحيرة مسعدة التي يقدر مخزونها بنحو 3.2 ملايين متر مكعب من المياه، فحرم أهلنا في الجولان من استثمارها تحت الضغط، لتضخ مياهها إلى المستوطنات.. هذا عدا عن مصادرة آلاف الدونمات الزراعية بذريعة أنها «مناطق عسكرية مغلقة» بعد زرعها بالألغام وضرب طوق من الأسلاك الشائكة حولها.
معركة الهوية
قاوم أهلنا في الجولان المحتل إجراءات الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدين تمسكهم بهويتهم الوطنية وانتمائهم إلى وطنهم الأم سورية، وهو الأمر الذي تجلى منذ اليوم الأول لاحتلال الجولان وذلك من خلال نضال منظم وموقف وطني موحد واضح يتلاءم مع إمكاناتهم في التصدي للاحتلال، حيث استشهد العديد منهم خلال مقاومتهم وتصديهم لقوات الاحتلال، بينما اُعتقل المئات منهم ليظلوا على موقفهم الرافض الخضوع للاحتلال وإجراءاته العنصرية.
تصاعدت المقاومة بشكل مطّرد ليعلن أهلنا في الجولان في أكثر من مناسبة ووثيقة وطنية موقفهم الثابت بأن الجولان هو جزء لا يتجزأ من أرض سورية، وبأن الهوية السورية صفة ملازمة لهم لا تزول، وأن أرضهم هي ملكية مقدسة لا يجوز التنازل أو التخلى عن شبر منها، مؤكدين عدم اعترافهم بأي «قرار» تصدره سلطات الاحتلال بخصوص «ضم» الجولان ورفضهم القاطع «للقرارات» الهادفة إلى سلبهم شخصيتهم العربية السورية.. وكان من أهم الوثائق، وثيقة «العهد الوطني» التي أصبحت دستور العمل النضالي الذي تُوج باضراب 14 شباط.
وتجلت مقاومة «قانون الضم» المشؤوم بإصدار نداء في 14 كانون الأول عام 1981 يدعو إلى إضراب شامل ومفتوح في 14 شباط 1982 ليستمر ستة أشهر متواصلة، إضافة إلى خروج تظاهرات عارمة في مختلف قرى الجولان للتعبير عن الرفض القاطع لهذا «القانون»، وهو الأمر الذي ردت عليه قوات الاحتلال بحملات قمع ومداهمات واعتقالات طالت المئات من أبناء هذه القرى.. واستمرت قوات الاحتلال بهذه الحملات متجاهلة القرارات الدولية ببطلان «قانون الضم»، ومنها قرار مجلس الأمن رقم 497 الصادر في الـ 17 من كانون الأول عام 1981 الذي يعد أن هذا القانون «لاغٍ وباطل وليس له أي أثر قانوني دولي».. ولا تزال سلطات الاحتلال على هذا التجاهل بفعل الدعم الأمريكي والتواطؤ الغربي.
بعد شهر ونصف الشهر من بدء الإضراب الوطني الكبير، خاض أهلنا في الجولان- في الأول من نيسان 1982 – معركة الهوية، عندما اقتحمت قوّات الاحتلال الإسرائيلي قرى الجولان، لفرض «الهوية الإسرائيليّة» بالقوّة.. جنود الاحتلال– وكان عددهم يفوق عدد الأهالي– أغلقوا القرى وفرضوا حظر تجوال على أهلها لإرهابهم وتخويفهم، اقتحموا البيوت وأجبروا أهلها على استلام «الهوية الإسرائيلية».. فما كان منهم إلا أن جمعوها وذهبوا بها إلى ساحات القرى ورموها في وجه جنود الاحتلال، مرددين «المنية ولا قبول الهوية».. وردت قوات الاحتلال بالمزيد من الاجراءات القمعية والتعسفية، لكن أي شيء لم ينل من مقاومة أهلنا في الجولان ومن إصرارهم وتمسكهم بهويتهم العربية السورية وارتباطهم بوطنهم الأم.
العهد الوطني
استمر الإضراب الوطني الكبير ستة أشهر، حاولت قوات الاحتلال بكل «جبروتها» تطبيق «قوانينها» المخالفة لكل الأعراف والتقاليد والقوانين الدولية على أهلنا في الجولان، مستعملة مختلف صنوف الحصار بعد فرض التعتيم الإعلامي على ما يجري في الجولان المحتل.. في كل ذلك كان أهلنا في الجولان يطبقون – متكاتفين موحّدين– «دستورهم» النضالي الذي جاء في وثيقة «العهد الوطني» التي أصدروها في 25 آذار 1981 وتقول:«نحن- المواطنين السوريين- في المرتفعات السورية المحتلة، نرى لزاماً علينا أن نعلن لكل الجهات الرسمية والشعبية في العالم أجمع، ولمنظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها، وللرأي العام العالمي.. ومن أجل الحقيقة والتاريخ.. وبصراحة ووضوح حقيقة موقفنا من الاحتلال الإسرائيلي، ودأبه المستمر لابتلاع شخصيتنا الوطنية، ومحاولته ضم الهضبة السورية المحتلة حيناً، وتطبيق «القانون الإسرائيلي» علينا حيناً آخر، وجرنا بطرق مختلفة للالتحاق بالكيان الإسرائيلي، والانصهار في بوتقته، ولتجريدنا من جنسيتنا العربية السورية، التي نعتز ونتشرف بالانتساب إليها، ولا نريد بديلاً عنها، التي ورثناها عن أجدادنا الكرام، الذين تحدرنا من أصلابهم، وأخذنا عنهم لغتنا العربية التي نتكلمها بكل فخر واعتزاز، وليست لنا لغة قومية سواها، وأخذنا عنهم أراضينا الغالية على قلوبنا وورثناها أباً عن جد منذ وجد الإنسان العربي في هذه البلاد قبل آلاف السنين.. أراضينا المجبولة بعرقنا وبدماء أهلنا وأسلافنا، حيث لم يقصروا يوماً في الذود عنها وتحريرها من كل الغزاة والغاصبين على مر التاريخ، التي نقطع العهد على أنفسنا أن نبقى ما حيينا أوفياء ومخلصين لما خلفوه لنا، وألا نفرط بشيء منه مهما طال زمن الاحتلال الإسرائيلي، ومهما قويت الضغوط علينا من قبل السلطة المحتلة لإكراهنا أو إغرائنا لسلب جنسيتنا، ولو كلفنا ذلك أغلى التضحيات، وهذا موقف بدهي وطبيعي جداً أن نقفه، وهو موقف كل شعب يتعرض كله أو جزء منه للاحتلال… وانطلاقاً من شعورنا بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا تجاه أنفسنا وأبنائنا وأجيالنا القادمة أصدرنا هذه الوثيقة»
دستور نضالي
هذه الوثيقة النضالية استمرت سنة بعد سنة دستوراً وطنياً ناجزاً، بدليل أنه عندما حاولت قوات الاحتلال مرة أخرى فرض «قوانينها» في 31 تشرين الأول الماضي عبر ما يسمى «انتخابات مجالس محلية».. فإنه في اليوم الموعود كان الرد الأهلي الوطني جاهزاً وحاسماً.. في ذلك اليوم– وفي مشهد مماثل للإضراب الوطني الكبير– زحف أهلنا في الجولان، كباراً وصغاراً، رغم رصاص الاحتلال والغاز المسيل للدموع.. زحفوا إلى مراكز «الاقتراع» وحاصروها لإسقاط مشروع الاحتلال الإسرائيلي في انتزاع شرعية شعبية منهم تدعم مطالبه باعتراف دولي «بسيادته» على الجولان.
أهلنا في الجولان حققوا ما أرادوا.. وانتزعوا نجاحين: أولاً إسقاط «الانتخابات» حيث كانت نسبة الاقتراع صفراً، وثانياً تأكيد حق سورية في الجولان بعدما تصاعدت الحملات الصهيونية خلال سنوات الحرب الإرهابية على سورية لتكريس الاحتلال الإسرائيلي للجولان و«تشريعه» دولياً. لقد كان يوم 31 تشرين الأول الماضي يوماً مجيداً آخر سجله أهلنا في الجولان على طريق النصر والعودة.
هذا لا يعني أن المحاولات الإسرائيلية ستتوقف، بل هي مستمرة وبامتدادت جديدة، حيث يحاول الاحتلال الإسرائيلي الحصول على اعتراف أمريكي بـ«قانون الضم» على غرار ما فعل في مسألة القدس، وذلك باعتبار وجود أكثر الإدارات الأمريكية عدواناً وتطرفاً وتأييداً لـ«إسرائيل» في البيت الأبيض، أي إدارة دونالد ترامب.. ولكن كل محاولة مصيرها السقوط عندما يكون الطرف المقاوم بصمود وعزيمة أهلنا في الجولان المحتل.

المصدر : تشرين

 

اضافة تعليق