حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

مَن الذي قلبَ هرم ماسلو؟ آلاف الإجراءات والعمليات التجميلية يومياً في دمشق: السوريون رغم الحزن.. حلوين

حتى هرم الاحتياجات البشرية (هرم ماسلو)، لم ينجُ من السوريين، حيث أن بعض من لا يستطيعون تحقيق قاعدة الهرم (هواء – طعام – ماء – نوم – جماع)، أصروا على القفز إلى طبقته الرابعة (تقدير الذات) – بغض النظر عن وسيلة القفز – دون المرور بالثلاث الأولى، ورأوا أن القفزة قد نجحت، فبقيوا هناك، رغم علمهم بأن بقاء من يقف في الهواء مؤقت، وبأن سقوطه واقع لا محالة، وبأن عزم السقوط من الأعلى قد يهوي به إلى ما دون الطبقة الأولى، لكن لا يُهم، المهم أن نسقط بوجوه وأجسام جميلة. تربينا على الأمثال، فلمَ ننساها الآن؟ ألم يُقال: عايشين عُمر ولا عمرين؟ وإلا ما الذي يدفع سبعينية إلى النزول من عيادة طبيب التجميل وبيع محبس زواجها لتكملة مبلغ حقن وجهها بمادة (البوتوكس)؟

 

آلاف الإجراءات، ومئات العمليات الجراحية التجميلية تتم يومياً في دمشق، في عيادات الأطباء، ومراكز التجميل، والمشافي، وأماكن أخرى، والأمر ما عاد حكراً على أصحاب الأموال، وإن كانت نسبتهم أكبر، وأصبح هناك سوق تجميل سوداء، لكن بعكس المفهوم المتعارف عليه للسوق السوداء من الناحية المادية، عادي.. وما الذي ليس معكوساً في هذا البلد؟

 

أعزائي القراء، اربطوا الأحزمة على عقولكم، واستعدوا لصدمة محتملة، سنهبط بكم في (هرم ماسلو) المعدّل، لكن قبل البدء، لا بد من لفت النظر إلى أننا في هذا الملف لا نقيّم الناس، ولا نعيب عليهم تصرفاتهم، بل نوصّف حالة قائمة.

 

تسعير كيفي

 

حاولنا من خلال سؤال عدة أطباء ومراكز تجميل الحصول على لائحة أسعار الإجراءات التجميلية الأكثر شيوعاً، فتبيّن أنها غير موحدة، لسببين، الأول مصدر المواد، والثاني والأهم، المنطقة ونوعية الزبائن، إذا أن أطباء ومراكز مناطق دمشق الراقية، يتقاضون أسعار أعلى بكثير من نظرائهم في المناطق الأخرى، حتى لو كانوا يستخدمون ذات المواد، كما أن زبائن تلك المناطق – بحسب إحدى الممرضات – (يشعرون بالخوف إذا انخفضت الأسعار)، ربما ظناً منهم بأن نوع المواد قد اختلف، وربما لأن ذكر المبلغ المدفوع خلال السهرات واللقاءات قد يشعرهم بالخجل، (تخيّل أن تدفع في المالكي مثلاً ذات السعر المدفوع في جرمانا.. عيب)، لذا سنورد أقل أسعار الإجراءات الأكثر انتشاراً:

 

بوتوكس بدءاً من 125 ألف – فيلر بدءاً 125 ألف – غمازة بدءاً 50 ألف – بلازما شعر بدءاً من 15 ألف – تقشير بدءاً من 5000 ليرة، مع الإشارة إلى أن أغلب هذه الإجراءات لا تُجرى لمرة واحدة، بل كل عدة أشهر، تزداد وتنقص حسب نوع الإجراء، أما العمليات الجراحية، فأسعارها مرتفعة، وتحدد أيضاً بحسب المشافي ومهارة الجراح وشهرته.

 

بوتوكسي.. وبعده الطوفان

 

ثلاث ممرضات يعملن في عيادات ومراكز تجميل، روينَ لنا الكثير من القصص، عن أشخاص يجمعون الليرة فوق الليرة، ويحرمون أنفسهم من بعض الضروريات، من أجل القيام بإجراءات تجميلية، وخاصة في الأماكن الشعبية التي تنتشر فيها مراكز التجميل بكثرة، وكان واضحاً من كلامهن أن القيام بالإجراءات التجميلية الصغيرة والكبيرة، يشبه إلى حد كبير ما يُروى عن مادتي الهيروئين والكوكائين، إذ ما عليك سوى تعاطي الجرعة الأولى، ومن بعدها لن تستغني عنها أبداً.

 

تقول سمر (اسم مستعار) إن كثرة التردد على العيادة، تحوّل الزبائن إلى أصدقاء تقريباً، لذا فإن الممرضة تعرف عن الزبون أكثر مما يعرفه الطبيب أو الخبير بكثير. ومن القصص التي روتها، أن إحدى زبونات العيادة التي تعمل فيها، سيدة خمسينية، معيلة لثلاثة أولاد، وتسكن معها أيضاً والدتها المقعدة، وأوضاع الأسرة المادية سيئة، لكن ورغم ما سبق، فإنها تجمع من رواتب زوجها الشهيد، من أجل (البوتوكس) الذي تجريه كل ستة أشهر.

موظفة دولة تعمل مساءً في شركة خاصة، واردها الشهري من العملَين لا يتجاوز 100 ألف ليرة، تدفع منها 50 ألف آجار غرفة تعيش فيها بإحدى العشوائيات، وتوفر مما تبقى لتأمين ثمن (الفيلر)، والأغرب – بحسب سمر – أنها عشرينية ولا تحتاج إلى هذا الإجراء الذي تحول عندها إلى هوس.

 

ثلاثينية باعت آخر قطعة ذهب تمتلكها للقيام بحقن (بوتوكس) قبل موعده المفروض بأشهر، فامتنع الطبيب عن إجرائه قبل أن تكتب تعهداً بأن الإجراء سيتم على مسؤوليتها الشخصية.

 

أما القصة الأغرب، فكانت عن سيدة سبعينية تريد حقن وجهها بـ (البوتوكس)، فحاول الطبيب إقناعها بعدم جدوى الإجراء، لأن وجهها يحتاج إلى إجراءات أخرى غيره بسبب العمر وما آل إليه جلد الوجه، لكنها أصرت على القيام به، وكانت تظن بأن سعر الحقن 75 ألف ليرة، وحين أبلغها الطبيب بأن التكلفة 125 ألف، خلعت محبس زواجها، وأرسلته مع مرافقة كانت معها، فباعته وعادت إلى العيادة وحقنت (البوتوكس)!

 

أما (مرح)، فقد تحدثت عن موضوع الإقبال، وأوضحت أنه يزداد كثيراً في شهر رمضان تجهيزاً للعيد والحفلات والنزهات والصور، كما يزداد أيضاً عندما تقوم إحدى المطربات أو الممثلات المشهورات بتغيير ما في شكلها، كما حدث حين قامت الممثلة اللبنانية (نادين نجيم) بإجراء تجميلي يدعى (تكساس) بعد إصابتها جراء الانفجار الذي حدث في مرفأ بيروت، حيث امتلأت العيادات والمراكز بنساء يحملن صورة (نجيم) على الموبايل مع جملة: (بدي متلا). وأشارت إلى أنه حتى خلال أيام الحجر الذي فُرض في العام الماضي، لم يتغير الإقبال على العيادة.

 

وتضيف: أخلاق الطبيب تلعب دوراً كبيراً في الموضوع، فهناك أطباء يوحون للمريضة الزبونة أنها بحاجة إلى أكثر من إجراء، على سبيل المثال: العمليات الجراحية التي تُجرى للأنف، تقوم برفعه إلى الأعلى دوماً، وهنا بإمكان الطبيب أن ينصح المريضة بإجراء (فيلر) للشفاه، لأنها، وبعد ارتفاع الأنف، صارت تبدو صغيرة، ومن الممكن أيضاً بعد إجراء (الفيلر)، أن ينصحها بـ (كرسي خدود)، وهكذا.

كلن يعني كلن

 

من أطرف ما حدث خلال جمع معلومات التحقيق، هو أن لقاء إحدى الممرضات كان في مقهى دمشقي، وخلال الحديث وتسجيل المعلومات، كانت كثيرة التلفت والنظر إلى الموجودين، وبعد أقل من مضي عشرين دقيقة، ابتسمت وقالت: بعد أكثر من عشر سنوات من العمل في عيادة التجميل، من المستحيل أن أخطئ في كشف أي إجراء تجميلي مهما كان بسيطاً بمجرد النظر إلى الشخص، وبكل بساطة، لديك هنا كل الأمثلة والأنواع التي من الممكن أن أتحدث عنها، إذ لا يوجد ولا شابة واحدة من كل الموجودات هنا لم تقم بإجراء أو بعمل جراحي تجميلي.

 

جاهز وتفصيل

 

ما لم يصل إليه العلم، ولم يخطر ببال المشرّعين ولا الأديان، أنجزه بعض الرجال السوريين، كيف؟ بكل بساطة، تستطيع الحصول على زوجة جديدة دون الزواج مرة أخرى، ودون منزل جديد، ولا مصاريف أسرة جديدة، ولا معاملات بطاقة ذكية ثانية.. يصطحب الرجل زوجته إلى طبيب التجميل، مع خطة مسبقة لتفصيل زوجة جديدة، ويتولى هو الحديث مع الطبيب: أريد أنفها بهذا الشكل، وفمها هكذا، وصدرها أكبر بالمقدار التالي، وخصرها أضيق بقليل، وخدودها أسمن (بنتوفة)، وإن كان بالإمكان تغيير شكل عيونها إلى (عيون القطة) أكون لك من الشاكرين، مع (غمازة) على الخد الأيمن، أو الأيسر، أو على كليهما، ومع كل هذه الإجراءات، أعتقد أن مؤخرتها أصبحت بحاجة إلى قليل من التكبير، (ولا انت شايفها منيحة هيك دكتور؟).

 

والمشترك في هذه الحوادث بحسب المتحدثات، هو استكانة الزوجة، وعدم تدخلها بما سيجري لها، لدرجة أن إحداهن – بحسب ممرضة تعمل في مشفيين – وعند دخولها إلى المشفى وكتابة إضبارتها، سألتها معدّة الإضبارة: ما هي العملية التي ستقومين بها؟ فلم تُجب، فكررت عليها السؤال، فقالت لها: لا أعلم، وهنا تدخل الزوج وقال للإدارية: لقد اتفقنا أنا والطبيب، هاتي الإضبارة.

 

الحصة الأقل

 

طبيب التجميل إياس بلول وبعد زفرةٍ طويلة، قال إن التجميل اختصاص قائم بذاته، لكن للأسف، فإن ما بقي لأطباء التجميل المختصين، والذين لا يتجاوز عددهم الـ 200 طبيب في كل سورية، هو الشق الثاني من اسم اختصاصهم (جراحة تجميلية وترميم)، أي الترميم الذي يقومون به بعد ما وصفه بالـ (التخبيص) في بعض المراكز على أيدي بعض من يصفون أنفسهم بالخبراء، أي بقي لهم الفُتات من كم هائل جداً من الإجراءات والعمليات التجميلية التي تُجرى يومياً، فقد أصبح سوق التجميل فريسة، ولا مجال لضبطه رغم كل المحاولات، إذ أن بعض أطباء الجراحة العامة، والنسائية، والأسنان، والأنف أذن حنجرة، والجلدية غير المختصين بالتجميل، يجرون عمليات تجميل، وبعض الصيادلة وبعض محلات الحلاقة النسائية، يقومون بحقن (البوتوكس والفيلر)، إضافة إلى عدد كبير جداً من مراكز التجميل.

 

وأوضح د. بلول أن اختصاص التجميل موجود من قبل ثمانينيات القرن الماضي، لكنه كان ضعيفاً، ومع تطور الميديا ازداد الإقبال عليه، وازدادت معرفة ودراية الناس به ولو بشكل بسيط وأحياناً خاطئ، فهناك بعض المرضى يناقشون الطبيب في تفاصيل طبية اطلعوا عليها مما يعرض من عمليات تجميل على (يوتيوب).

 

سورية.. السوق الأرخص

 

وفيما يخص الأسعار، أوضح د. بلول أن (البوتوكس) مثلاً مادة عالمية تستورد بشكل نظامي كبقية مواد التجميل، لكن لسورية أسعاراً خاصة أقل من أسعار دول الجوار، وهذا ما كان يجعل اللبنانيين والعراقيين يقومون بعمليات وإجراءات التجميل في سورية سابقاً قبل كورونا وما تسبب به من إجراءات احترازية وخوف ومشاكل أدت إلى تراجع أعدادهم وانعدامها حالياً.

 

وتابع: محلياً، الأسعار في أطراف دمشق أقل من وسط المدينة، فالأطباء والمراكز هناك يطلبون أضعاف ما يأخذه طبيب في إحدى الأحياء البعيدة، مع أن المواد ذاتها تقريباً، لكن الإقبال كبير جداً على الجميع، إضافة إلى عدد كبير جداً من العمليات التي تُجرى في المشافي.

 

أما عن القدرة المادية على القيام بعمليات وإجراءات التجميل، يرى د. بلول أن السوريين قادرون دوماً على التأقلم مع أي وضع، وذكَر أمثلة عن أشخاص يجمعون من رواتبهم، وآخرين يبيعون بعضاً من مدخراتهم من الذهب، أو يشتركون في (جمعية) من أجل إجراء تجميلي، إضافة للذين دخلوا مؤخراً إلى عالم التجميل بعد أن صاروا يخصصون قسماً من الحوالات التي تصلهم من الخارج لهذا الأمر.

 

الوحيدون.. والأغرب

 

لا يستقم، ولا يتناسب ما عرضناه سابقاً، مع أحوال شعب في بلد تتناهشه الأزمات، والفقر، والقلّة، ويعبر فيه هذا الشعب ذاته عن غضبه وتذمره على مدار الساعة واليوم، فما الذي يجري؟

 

نسَبَ البعض ما يجري إلى نظرية (تأثير قلم الحمرة) الذي أطلقه ليونارد لاودر رئيس مجلس إدارة شركة (إستي لودر)، عام 2001، عندما لاحظ أن مبيعات أحمر الشفاه، ارتفعت بمعدّل 11% خلال الأزمة الاقتصادية.

 

تقول النظرية: (إنه عندما لا نستطيع شراء منزل فاخر، أو السيارة التي كنا نحلم بها بسبب الأزمة الاقتصادية، أو عندما لا نتمكن من قضاء العطلة الصيفية المقررة في أحد المنتجعات ونلغيها، سيكون بمقدورنا في المقابل شراء (قلم حمرة) من أفخر الماركات العالمية).

 

لكن السوريين المعروفين والمبدعين بإجراء التعديلات على كل شيء تماشياً مع ظروف الحياة والعمل والسياسة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: (سوزوكي محرك داتسون – كتلة برلمانية تقف في صف الحكومة دوماً – تحقيقات استقصائية إيجابية)، أجرى بعضهم تعديلاً “بسيطاً” على النظرية، فهم أساساً لم يحلموا يوماً بشراء منزل فاخر، ولا السيارة التي يحلمون بها، ولا قضاء العطلة في المنتجعات، لذا، فإن قلم حمرتهم كان بديلاً عن رغيف الخبز ربما، وأحياناً بدل الدواء! والأثرياء منهم، وخاصة الأثرياء الجدد، كان لهم تعديلهم أيضاً، فقد اشتروا منازل وسيارات أحلامهم، وقضوا العطلة في المنتجعات، ثم عادوا واشتروا معامل أقلام الحمرة.

 

حرب ونمطية وقبول ذات

 

الاختصاصية في العلاج النفسي روان قطيفاني ردّت ما يحدث إلى عدة أسباب، منها ما تؤدي إليه الحروب من خلل في المجتمع والتربية، فاليوم، وفي هذه الأوضاع الصعبة جداً، الأب مشغول بأكثر من عمل، والكثير من الأمهات تحولت نصائحهن لبناتهن من نصائح لتطوير الأفكار والمقدرات والمعارف، إلى الحفاظ على الشكل والجسم بشكل معين، فأصبحت الصبية ومنذ طفولتها تستمع إلى هذا الكلام وترى الكثير من النماذج أمامها (أم – خالة – جيران – زملاء) يعطين الاهتمام الأكبر للشكل ولعمليات وإجراءات التجميل، إضافة إلى الصورة التي عكستها وسائل التواصل الاجتماعي عن المرأة التي يجب أن تكون دوماً بأبهى صورها، ناهيك عن الاستخدام الكبير للمرأة الجميلة في الإعلانات وجذب الزبائن.

وتوضح المختصة قطيفاني أن كثيرات يراجعن العيادات النفسية بشكوى عدم تقبل الذات، والنفور من أشكالهن، خاصة بعد الولادة، وعلاج هذا الموضوع هو العودة إلى تقبل الذات، لكن هذا التقبل اليوم لا يعود عن طريق العمل أو الأفكار أو الثقافة، بل عن طريق إجراء سريع ناجح يتم الحصول عليه بدفع مبلغ معين، وهو برأي الغالبية الحل الأسهل الذي لا يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين، مشيرة إلى أن عدم تقبل الذات أمر خطير، فهو أحياناً يؤسس لاكتئاب وكره للذات وإيذاء للجسد، وقد يصل إلى الانتحار.

 

وتستدرك قطيفاني موضحة أنه ليس من الخطأ أن تسعى المرأة للحفاظ على جمالها من ناحية الشكل والوزن وما إلى ذلك، أما الخلل فهو التحول في مفهوم التجميل من تعديل تشوه ما، إلى تغيير الشكل الذي يتحول إلى هوس، وخاصة بعد تحوّل التنمر من تنمّر على من تقوم بعمل تجميلي، إلى تنمر على من لا تقوم به، أضف إلى ذلك الاطلاع شبه اليومي على نتائج تجميلية جيدة تؤدي إلى قبول أكبر من المجتمع الذي تغيرت صورته النمطية عن المرأة التي عليها أن تكون بمواصفات مثالية كاملة الأنوثة تؤدي إلى الإعجاب بها من قبل الرجل، وقبولها بشكل أكبر من أجل الزواج أو العلاقات. وختمت قطيفاني حديثها بتوقع انقراض النساء الطبيعيات تماماً.

هاشتاغ- فراس القاضي

 

اضافة تعليق