حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

السوريون… بين مطرقة قيصر وسندان الحرب ومفرزاتها

شكلت الحرب على سورية مأساة كبيرة لم يشهد التاريخ أسوء منها ربما، وكان من نتائج هذه الحرب أن عاش السوريون عقداً زمنياً هو الأصعب في تاريخ سورية، فأدت الحرب إلى تدمير بنيتها التحتية وأفرزت أزمات كثيرة: اجتماعية واقتصادية وأمنية. وبدأ السوريون يشعرون بالثمن الباهظ لنفقات تلك الحرب، والذي أدى في النهاية إلى أزمة اقتصادية خانقة جعلت الملايين من السوريين يأنون تحت وطأة الفقر والجوع والمرض، أزمة مركبة تعود أسبابها إلى: توقف عجلة الإنتاج بشكل شبه كامل في ظل غياب المحروقات والكهرباء اللذان يشكلان عصب الصناعة والمحرك لعجلتها، والدمار الكبير الذي شهده الوطن، وهو بلا شك دمار كبير في البنية التحتية، لكن الدمار في القيم والأخلاق وسلوكيات المجتمع لا يقل حدة وأسى عن ذلك الدمار، فالجوع أول منتج من منتجات الحرب، بالإضافة الى بروز فساد كبير لم تعد البلد قادرة على تحمله وتجاهل وجوده، فساد لطالما تحدث الناس عنه، ولطالما تم انكاره، لكنه في النهاية هو حقيقة وأمر واقع.

 

وبرزت ظاهرة تجار الحروب؛ لكنهم مغلفين هذه المرة بعلم الوطن وأكذوبة العمل الخيري… وأصبحوا يتصدرون لائحة رجال الأعمال، بعد اقصائهم لرجال الأعمال الوطنيين المنتجين، فكانوا “رجال أعمال” لم نعرف من أعمالهم سوى الارتزاق ومص دماء السوريين، ولم يحملوا من الرجولة أية قيمة.

واستمرت الضائقة الاقتصادية الناجمة عن ضياع أموال خزينة الدولة نتيجة لعدة أسباب، أهمها:

 

– الفاتورة المرتفعة لاستيراد حاجة القطر من المحروقات نتيجة السيطرة على حقول النفط من قبل داعش وباقي التنظيمات الإرهابية المسلحة، وسرقة النفط السوري حالياً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وميليشيات قسد.

 

– السياسات النقدية المشكوك فيها، أو غير المفهومة على أحسن تقدير والتي أدت الى ضياع قسم كبير من احتياطي الدولة من العملة الصعبة عبر سياسات “الضخ” والعلاقة غير الشرعية بين المصرف المركزي وشركات الصرافة، وهو الموضوع الذي كان يتحدث الجميع عنه باستهجان واستغراب لتلك السياسات، إلى أن تم اقالة الحاكم السابق للمصرف وتحمله المسؤولية الاسمية فقط، لأن لو هناك مسؤولية فعلية لاستوجب ذلك محاسبته، وقد نجح المصرف المركزي في الفترة الأخيرة من تثبيت سعر الصرف إلى حد ما، وهو بلا شك شيء جيد، لكن على أرض الواقع لم يتوقف الارتفاع المتزايد في أسعار المواد الغذائية وغيرها. بل إن أكثر السلع والخدمات التي تقدمها الدولة شهدت ارتفاعاً كبيراً لا مبرر له ولا تفسير بالمعنى العلمي والاقتصادي.

 

– ضياع مبالغ كبيرة على خزينة الدولة نتيجة لوجود المعابر غير الشرعية وعدم ضبط الحدود مع دول الجوار، وهذا أخطر من التهريب بكثير، فكميات التهريب تكون محدودة بينما عدم ضبط الحدود مشكلة كبيرة سببها الفساد وعدم الخوف من المحاسبة واعتقاد البعض أنهم فوق القانون. وما وجود السلع والمواد الممنوعة من الاستيراد وامتلاء الأسواق بها إلا دليل واضح على ذلك.

 

– التهرب الضريبي بشكل كبير، نتيجة لهفوات قانونية معينة، أو بسبب فساد الرقابة وعدم وجود قانون عادل للضريبة ما جعل التكليف الضريبي قائم بشكل أساس على ذوي الدخل المحدود الذين بدؤوا يعيشون الفقر نتيجة سياسات الافقار غير العادلة.  علماً أن تقديرات وزارة المالية تقول إن ضرائب الدخل المقطوع وضرائب الأرباح لا تشكل أكثر من ٥% من إيرادات الدولة. فضرائب الدخل المقطوع ١% والباقي ضرائب أرباح. والبحث المستمر من قبل الجهات الضريبية لتأمين المزيد من المطارح الضريبية والتي أدت إلى الركود في حركة بيع وشراء العقارات، وتسببت في استياء كبير لدى أصحاب بعض المهن كالأطباء والمهندسين، والذين سيتم تحويل عياداتهم ومكاتبهم إلى عقارات تجارية، وبالتالي ارتفاع الضرائب وقيمة الكهرباء والخدمات، وهو ما جعل عدداً من النقابات تستهجن القرار وتطالب بإلغائه لما له من تأثير سيء على الشباب الذين يريدون أن يبدأوا مشروعاتهم الخاصة.

 

– سياسة تمويل الصادرات التي أعطت التجار الحق بشراء الدولار بسعر المركزي لتمويل مستورداتهم وبيع المستوردات واحتسابها بالسعر الرائج للدولار، وهو ما أسهم بارتفاع الأسعار بشكل كبير وأدى الى تضخم ثروة هؤلاء الفاسدين بشكل كبير وسريع.  وقد خطت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في السنوات الأخيرة خطوات ثابتة في مجال إحلال الصادرات وهو ما سيخفف من الطلب على القطع الأجنبي فيما لو تمكنت الوزارة من تنفيذ رؤيتها.

 

– مراكز تجميع السيارات، التي لم تكون سوى طريقة لاستيراد قطع الغيار والتهرب الضريبي ضمن القانون. ولا زالت أسعار السيارات في سورية هي الأغلى عالمياً على ما اعتقد.

 

ثم جاءت أزمة فيروس كورونا، وكان من الطبيعي أن تترافق بمستوى معين من الركود الاقتصادي نظراً لتراجع مستوى الانتاج، فازدادت النفقات وارتفع مستوى الأسعار في ظل غياب الرقابة وعجز وتقصير حكومي لم يعد مبرراً… والشعب لم يعد قادراً على تجاوزه…

 

كل هذا جعل السوريون يلجؤون إلى بيع مدخراتهم فأصبحنا نعيش أزمة حادة لا نعرف لها نهاية.  فالمعاناة كبيرة والتحدي القادم أكبر بكثير خاصة في ظل تطبيق القانون الأمريكي سيء الصيت المسمى بقانون قيصر، هذا القانون الذي يحاصر السوريين في تأمين لقمة عيشهم، ويحرم الحكومة السورية من القدرة على تأمين احتياجات شعبها دون الحاجة إلى دفع نفقات إضافية للوسطاء. وعلينا أن نتوقع الأسوء كي لا نتفاجأ، وأن يتفهم المواطن هذه السياسات حتى وإن تقاطعت مع الاحساس بالحريات العامة والعيش الكريم.

 

وأرى أنه لزاماً على الحكومة السورية أن تبتعد عن الجزئيات الصغيرة، فالعمل الحكومي أعم وأشمل من تأمين رغيف الخبز وجرة الغاز التي يمكن أن يقوم بها تاجر، وأن تعتمد التخطيط الاستراتيجي الذي يعني الإجابة بدقه على ثلاثة أسئلة: ما الذي نريد الوصول إليه؟ ماهي الاليات الواقعية والعقلانية المتاحة بين أيدينا والتي تسمح بذلك؟ وما هو المدى الزمني المناسب لتحقيق ذلك؟

 

فهناك تحديات كبرى قادمة تتعلق بإدارة التواجد الأجنبي على الأراضي السورية، وإعادة الاعمار، واللجنة الدستورية، وهي استحقاقات ستقرر مصير سورية ومستقبلها…. وكلي ثقة أن السوريين سيصبرون على الجوع إن لمسوا أن هناك عدالة اجتماعية، لكنهم لن يطيقوا الرخاء في ظل غيابها… ولعلنا نعول على الانفتاح العربي على سورية في قادم الأيام، ربما من زاوية القشة التي يحتاج الغريق التعلق بها…..

 

بقلم: د. شاهر إسماعيل الشاهر

اضافة تعليق