حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

حينما تقطع المقاومة شريان دم الكيان الصهيوني

تحسين الحلبي 

لا أحد يشك أن الكيان الإسرائيلي يهتز مرتجفاً من الداخل بكل شرائحه وكل مكوناته من جيش ومستوطنين وقيادة عسكرية وسياسية مع دخول الأسبوع الرابع على حربه غير المسبوقة بمذابحها ووحشيتها على قطاع غزة أمام مقاومة لم تتوقف وصمود شعب ما زال يتحمل أشكال عدوان غير مسبوقة من هذا الكيان.

وفي كل يوم تؤكد كل ظروف الحرب ومجرياتها على الأرض أن مليونين ونصف المليون من الفلسطينيين يجابهون أكبر قوة للتدمير والقتل وهي الولايات المتحدة وليس الكيان وحده، ولو كان الفلسطينيون في غزة يجابهون الكيان وحده لوجدنا أن مئات الآلاف من المستوطنين بدؤوا يحزمون أمتعتهم ويرحلون عنه في كل أسبوع من دون توقف إلى أوطانهم التي كانوا فيها قبل ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.

فقد أرسلت واشنطن قوات من المارينز للقتال إلى جانب جيش الاحتلال المصاب بصدمة السابع من تشرين الأول الجاري حين فاجأته المقاومة والفدائيون وكان نائماً في مواقع الحراسة على حدود قطاع غزة بعد تعطيل كل وسائل الرصد والمراقبة الإلكترونية فائقة الحساسية على تلك الحدود والمواقع، وبهذه السياسة الوحشية الأميركية ازدادت وحشية جيش الاحتلال في قصفه وفي كل عملياته لقتل أكبر عدد من الأطفال والأمهات، وبقيت المقاومة صامدة تتصدى له بكل ما لديها من قدرة وإرادة قتالية.

ومع مرور كل أسبوع على هذه الحرب الوحشية ونتائجها المأساوية على الشعب الفلسطيني كان العالم يرى أكثر من أي وقت مضى أن الحكومات الغربية التي وقفت إلى جانب هذا العدوان كانت تزيد من دعهما له مستخدمة كل جبهاتها الإعلامية لتصوير الحرب على أنها دفاع عن النفس، وجمدت هذه الحكومات دور الأمم المتحدة وكل منظماتها ومنعتها عن القيام بواجبها المكلفة به لمساعدة المدنيين الذين قطع عنهم العدو كل الحاجات الأساسية للحياة وخاصة المياه والدواء والكهرباء والاتصالات، وكل ما يساعد على علاج الجرحى وإطعام الأطفال.

واستمرت كل أشكال القتل والإبادة أمام العالم لأن واشنطن فرضت هذه الحرب ليتبين بشكل ملموس وصارخ أن ما تقوم به من خلال ثكنتها الإسرائيلية في المنطقة هو حرب الغرب الأوروبي لحماية آخر معاقل الاستعمار الاستيطاني الذي صنعه الغرب قبل قرن من الزمان حين أرسل الأوروبيين إلى إفريقيا لاستيطان معظم بلدانها، وكانت فلسطين واحدة ممن أرسل الاستعمار البريطاني إليها الأوروبيين اليهود، ثم وجد أن كيانات الاستعمار الاستيطانية لم يبق منها سوى هذا الكيان الإسرائيلي بعد أن تمكنت شعوب إفريقيا بوحدة مقاومتها من تدمير أهم أربعة كيانات استيطانية في جنوب قارة إفريقيا، ولم يبق سوى هذا الكيان الذي طال وجوده 75 عاماً لم تتوقف مقاومة الشعب الفلسطيني ومعه الشعوب العربية ضده حتى وقتنا هذا.

ولذلك أصبح المستوطنون يدركون أثناء وبعد هذه الأسابيع الثلاثة على المجابهة التاريخية التي تسطرها المقاومة في وجه الاحتلال، أن مستقبل وجودهم في هذا الكيان غير مضمون وهو ما بدؤوا بالاعتراف به حين قارنوا أنفسهم بيهود العالم الذين ينعمون بالاستقرار ولا يتعرضون فيه لحروب داخلية أو خارجية من الجو، على حين هم يتعرضون لمقاومة جعلتهم يدفعون فيها أثماناً باهظة في الثمانينيات في لبنان حين اجتاحوها، ثم هزمتهم المقاومة بدعم من أطراف محورها واندحروا من أراضيها بذل وهوان، ثم وجدوا أنفسهم منذ اتفاقات أوسلو عام 1993 يدفعون ثمناً آخر بعد اجتياح العمليات الاستشهادية في كل فلسطين في التسعينيات وما بعدها حين أجبرتهم المقاومة على سحب جيشهم من قطاع غزة عام 2005 ونزع مستوطناتهم منها من دون قيد أو شرط، وقد علق بعض المحللين الإسرائيليين على مراحل هذا التاريخ وما يشعر به المستوطنون الآن قائلين إن من غادر من المستوطنين في التسعينيات وما بعد عام 2006 حين هزمت المقاومة اللبنانية الكيان في تموز، هو الذي ضمن حياته من دون حروب وخوف وقلق على المستقبل.

وهنا تماماً يكمن أهم شكل من أشكال هزيمة الكيان الاستيطاني الأوروبي الذي أنشأه الاستعمار في المنطقة، ولولا هذه المقاومة وبرغم ما نتج عن مقاومتها الكثير من الشهداء المدنيين من الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، لما فرضنا على هذا الكيان فرار أكثر من مليونين ونصف المليون مستوطن بحسب الأرقام الإسرائيلية إلى أوطانهم خلال ثلاثين سنة، فقد توقفت هجرة اليهود طوال تلك العقود إلى الكيان وانخفضت قوته البشرية بفضل هذه المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني في أراضي وطنه، وهذه الهجرة وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ديفيد بن غوريون في الخمسينيات بشريان الدم الذي يغذي هذا الجسم الإسرائيلي بل هذا الوحش الإسرائيلي.

ولذلك يرى الجميع صورة الانتصار في هاتين النتيجتين اللتين حققتهما المقاومة وهي فرض هجرة عكسية على المستوطنين وسد أبواب هجرة اليهود إلى فلسطين، ولولا المقاومة واستمرارها لأصبح عدد الإسرائيليين 10 ملايين، على حين عددهم الآن لا يزيد على ستة ملايين ونصف المليون فقط يواجههم سبعة ملايين فلسطيني على أرض الوطن، وسنرى جميعاً أن معركة «طوفان الأقصى» ستفرض على أكثر من مليون مستوطن مغادرة الوطن الذي سرقوه من الشعب الفلسطيني وأمته العربية والإسلامية.

 تحسين حلبي

المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي كاتبه

اضافة تعليق