حزب البعث العربي الاشتراكي

logo

header-ad
أحدث الأخبار

بين السالب والموجب.. “لاهاي” بداية مسار

بقلم أحمد حمادة:

رغم كل ما قيل عن قرار محكمة العدل الدولية في “لاهاي”، حول الإبادة الجماعية في غزة، ورغم كل التوصيف (إيجاباً أو سلباً) من المحللين والمتابعين وخبراء القانون الدولي، يمكننا القول: إن القرار -في توقيته ومضمونه- يشكل بداية مسار لإنفاذ قواعد القانون الدولي، وإنهاء إفلات كيان الاحتلال الإسرائيلي من العقاب الذي استغله على مدى عقود لارتكاب أبشع الجرائم بحق شعوب المنطقة برمتها، وأقول “بداية” لأن العالم كله اعتاد خضوع المؤسسات الدولية وقراراتها للسطوة الأميركية، التي كانت تمنع مجرد الحديث عن جرائم هذا الكيان أو ملامستها.

في توصيف الخبراء “السلبي” للقرار جنح كثير من محللي السياسة وخبراء القانون الدولي الإنساني إلى القول: إن قرار “لاهاي” لم يصل إلى المستوى الذي طالبت به الأغلبية الساحقة من الشعوب في مسيراتها المؤيدة لفلسطين والغاضبة على إجرام “إسرائيل”، منهم من قال: إنه دون الطموح ومخيب لآمال الشعوب برمتها، أو كان منقوصاً، ولا يلبي طموحات الشعب الفلسطيني، أو إنه تجنب صراحة فرض “وقف إطلاق النار” وإلزام الكيان به.

وبصيغ أخرى قالوا أيضاً إنه قرار سياسي وليس اتهاماً جنائياً واضحاً، ولذلك لم تأت “لاهاي” بجديد، وإن قضاتها -الذين اعتادوا تنفيذ أوامر واشنطن- احتاروا كيف يخرجون صيغة قرار توافقي يرضي الجميع، بما فيهم واشنطن والرأي العام الدولي الغاضب لما يجري في غزة من إبادة.

وأكثر من ذلك رأى قانونيون دوليون بأن القرار لم يدن كيان الاحتلال، ولم يصف الوصف القانوني للجريمة التي ارتكبها في غزّة، وأن فقراته هي مجرد “سرديات” لما جرى في فلسطين وتوصيات، وأنها تحذّر فقط من وقوع جريمة الإبادة، وتدعو الكيان إلى عدم تكرارها.

هنا جملة من الحقائق التي لا يجب أن تغيب عن عين أحد، وأولها أن المؤسسات والمنظمات والمحاكم الدولية هي ساحات لابد من خوض المعركة فيها لتعرية جرائم “إسرائيل” وأمريكا وغيرهما

أما الفريق الوسطي، الذي لا يؤمن بالتوجه إلى المنظمات الدولية في حال كان الطرف الخصم هو الكيان الإسرائيلي، فذكّرونا بأنه سيان أن تصدر “لاهاي” اتهاماً أو لم تتهم، فالكيان لن ينفذ أي شيء، وهناك من يتستر عليه ويحميه في واشنطن وسواها من عواصم الغرب، ويجنحون إلى مقولة: “لا اعتماد على القضاء الدولي في نزاع يكون الكيان فيه طرفاً”، لأن مصلحته – بعرف الغرب – فوق القانون الدولي، كما أن هذا الكيان لم يلتزم بأي قرار من قرارات الأمم المتحدة وبالتالي الرهان على التزامه رهان خاسر.

رغم كل هذه الآراء نقول هنا جملة من الحقائق التي لا يجب أن تغيب عن عين أحد، وأولاها أن المؤسسات والمنظمات والمحاكم الدولية هي ساحات لابد من خوض المعركة فيها لتعرية جرائم “إسرائيل” وأميركا وغيرهما.

وثانيتها أن قرار “لاهاي” يعتبر خطوة أساسية في مقاضاة كيان الاحتلال وتأكيد أفعاله باعتبارها جرائم حرب وإبادة بحق الشعب الفلسطيني، وأنه حتى ولو تجنب صراحة عبارة “فرض وقف إطلاق النار” فإن مجرد التلويح بالاتهام أو تنفيذ فقرات أخرى منه ستجعل عمليات كيان الاحتلال العدوانية في غزة وغيرها أكثر تعقيداً.

ورغم أننا نعلم أن كيان الاحتلال الإسرائيلي لن ينفذ الفقرات الأولى ولا غيرها، إن لم يتم إجباره عن طريق مجلس الأمن الدولي بذلك، وللأسف لم يحدث ذلك خلال الصراع العربي الإسرائيلي البتة، إلا أن قراءة سريعة وعاجلة لكل ما جرى نرى أن مجرد قبول الدعوى يؤشر إلى الإقرار الضمني بأن الكيان الإسرائيلي قام بأعمال إرهابية تعطي المحكمة الحق في الاستجابة للنظر في الدعوى.

الأهم من كل هذا أن قرار “لاهاي” رفع أصوات الكثير من دول العالم للجم كيان الاحتلال في مجلس الأمن الدولي وإلزامه بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ولإعطاء قوة إلزامية لقرار المحكمة فيما يخص كل الإجراءات اللاحقة بحق الاحتلال وجرائمه

أيضاً علينا أن ندرك أنه لأول مرة تطالب محكمة العدل الدولية كيان الاحتلال بضرورة القيام بإجراءات فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية اللازمة بشكل عاجل لمعالجة الظروف المعيشية التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة، وهو ما يفتح الباب أمام دول الجوار لفتح المعابر رغم أن الكيان سيعرقل ذلك، لكن قرار المحكمة سيمثل سنداً قانونياً لمن يريد كسر الحصار.

والأهم من كل هذا أن قرار “لاهاي” رفع أصوات الكثير من دول العالم للجم كيان الاحتلال في مجلس الأمن الدولي وإلزامه بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ولإعطاء قوة إلزامية لقرار المحكمة فيما يخص كل الإجراءات اللاحقة بحق الاحتلال وجرائمه.

اضافة تعليق